يقول الأصوليون إنه دائما عند إرادة تحليل ظاهرة ما يجب البدء بتحليل المصطلحات التي ولدتها تلك الظاهرة لأنها تشي بالأنماط العقلية والنفسية والإدراكية التي تولدت عنها تلك الظاهرة، ومن أبرز المصطلحات التي تولدت عن ظاهرة «داعش» الجماعة التي بلغت بها سكرة غرور الأنا أن تنصب نفسها على أنها الشرع والخلافة وتعلن أن كل من لم يبايعها ويقر أنها الشرع فهو مرتد يجب قتله وماله غنيمة تجب سرقته ونساؤه يجوز سبيهن، مصطلح «الشرعي» حيث يطلقون مسمى «الشرعي» على الشخص الذي يقوم بدور المفتي والقاضي في الجماعة، وهي تسمية غير مسبوقة في التاريخ الإسلامي، فما الذي تخبرنا به عن العقلية التي تولدت عنها؟ الظاهر أنها تدل على اعتبار ما يقوله شخص واحد في الجماعة هو «الشرع» والكارثة أن من تعتبره داعش «الشرعي» الذي قوله هو الشرع هو شخص غير حاصل على شهادة أكاديمية بالعلوم الدينية ولم يكمل تعليمه العادي ومع هذا صار «الشرعي» الذي يعتبر ما يقوله هو «الشرع» بهذة الصيغة المطلقة التي تخالف ما تواتر عليه فقهاء الإسلام المعتبرون الذين لم يزعم أحدهم أنه تجسيد للشرع إنما يصرح بالنص أن قوله هو رأيه الخاص وليس «الشرع» وأصل هذا التحوط يعود للحديث النبوي الصحيح الذي يروي أن النبي كان (إذا أمر أميرا على جيش أوصاه.. إذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ــ تنقضواــ ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا) مسلم. والمعنى أن من يفتي يجب أن لا يزعم أنه يمثل حكم الله ورسوله «الشرع» إنما يجب أن يصرح بأن هذا هو رأيه الخاص وأنه يمثل نفسه فقط. قال الإمام مالك: «لم يكن من أمر من مضى من سلفنا.. الذين يعول الإسلام عليهم، أن يقولوا: هذا حلال، وهذا حرام. ولكن يقول: أنا أكره كذا، وأحب كذا، وأما حلال وحرام فهذا هو الافتراء على الله. أما سمعت قول الله: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون)».
بشرى السباعي
عكاظ