أخذ الرجل عائلته إلى إحدى الحدائق المنتشرة في أحياء المدينة، بدأ الأطفال يلعبون في الملاهي الموجودة هناك، صعدت ابنته ذات الأعوام الأربعة على لعبة التزحلق، وقبل أن تشرع في عملية التزحلق، صرخت بأسلوب تمثيلي مسرحي بالعربية الفصحى سأنتحر يا بابا!. وقبل أن يأخذ العجب أحدنا مما حدث، وكيف انتقلت مفردة الانتحار إلى العقل الغض الذي لم يستوعب كافة مخارج الحروف بعد، ينبغي أن ننوه إلى أن هذه الطفلة من متابعي الرسوم المتحركة كعادة معظم أطفالنا، الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشة، يلتقطون خلالها الكثير من المفردات، والتي بلا شك لا نعرف منها، سوى ما يخرج حسب الظروف، التي يفترض الأطفال أنها مناسبة.
القنوات التي تعتمد العربية الصافية مثل الجزيرة للأطفال وسبيس توون، في مقابل العربية المصرية أو اللهجات العامية في مصر ولبنان مثل قناتي "آرتي تينز" و "إم بي سي 3"، تعطي دروساً جيدة لأطفالنا في التعلق باللغة العربية الفصحى استحباباً، وتنمي عقولهم بطريقة لا تحمل شيئاً من ضجر التعليم، مما يجعلها قادرة على خلق مناخ تعليمي مميز، وبدون قصد أحياناً، ومن عدم هذا القصد تظهر الأخطاء والأخطار، حيث يبقى كل ما يقدم للطفل اعتباطياً لا تتم مراقبته والانتباه له.
لقد أصبحتُ أشعر أنه من غير المجدي، نقد الأعمال المنتجة في بلد تعيش قيماً أخلاقية مغايرة لما نعرفه من تلك القيم، فبما أننا غير قادرين حتى الآن، على إنتاج مستقر لأعمال الرسوم المتحركة التي تتوجه إلى أطفالنا في المقام الأول، فسنبقى في موقف المستورد المنهزم ثقافياً، كل ما نفعله هو محاولة ترقيع الأعمال لتتناسب مع الحد الأدنى من ثقافة المجتمع، أو نعطي العالم ظهرنا، وهو ما لم ولن يحصل أبداً، لأن الإنسان سيبقى مدنياً بطبعه.
بقلم طارق الخواجي