الشبكة مسجلة لدى وزارة الثقافة و الاعلام


Google



منتدى الخواطر الأدبية و النثر خاص بخواطركم الادبية و بوحكم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-01-09, 10:47 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
اعضاء الشرف
الرتبة:

 

البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 4062
المشاركات: 5,172 [+]
بمعدل : 0.81 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 731
نقاط التقييم: 10
أبوسليم is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
أبوسليم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


المنتدى : منتدى الخواطر الأدبية و النثر
افتراضي على أعتاب غزة / لو أُذن بالرحيل

وقفت أشهد رحيلها النبيل وأبكي، أبكي أبكي أبكي..


بكيت بكاءً مريرًا صامتًا أمام النعش المسجى على أرض المسجد، وقفت أسترق النظر إليه من خلف الساتر الفاصل بين مجلسي النساء والرجال بالمسجد الكبير، تلك الصديقة الرفيقة المحببة إلى قلبي كانت قد لحقت بي على درب المحبة؛ لصغر سنها عني بأعوام عدة، فما أوقفها ذلك، بل سبقتني سبقًا لم تلاحقه أنفاسي، حتى وصَلت واستقرت!
ولا أزكي على الله أحدًا، ولكني لم أشهد منها أبدا إلا ما يطمئنني عليها في مثواها الأخير؛ وكانت قد مرضت ذلك المرض اللعين، فافترسها هانئا بها على مدار سنة أو أكثر، ولم تستسلم للوهن أو للبكاء على الشباب المتآكل، أو العمر المتراحل في سرعة مفاجئة.
كنت كلما رأيتها لم يسعني إلا أن أُحيي فيها ثباتها، وإصرارها على العمل وتخليص ما عليها حتى آخر لحظة؛ فقد فقهت صاحبتي أنها راحلة، وكلنا راحلون.
أذكر أني كنت أقصر بشدة في السؤال عنها، فإذا بها بين الحين والآخر تتصل بي، أظنها في حاجة إلى أمر ما، أو ستطلب مني الدعاء، فإذا بها -في كل مرة- تتصل بي لتطمئن علي من وعكاتي المتعددة، وتخبرني أنها بخير، وأنها تتحسن؛ حتى لا أتألم من أجلها.
فكانت جميلة النفس في رقة، تعرف عني كم أتألم أرقًا على أحبتي.
هديتها الغالية
اتصلت بي مرة، وأخبرتني أن عندها لي هدية، ولمحت في صوتها اشتداد الألم وتآكلها، فتجاهلت ما لمحت، وادعيت الفرحة بالهدية، فإذا بها تخبرني أنها "ستهاديني" بمجموعة شرائط شيخ حبيب لنا.
و كانت تلك التسجيلات هي كنزنا أيام العهد الجميل، عهدنا الأول على الطريق، كنا نذهب كل جمعة نجلس على السلم الخلفي أو على الرصيف لنستمع لمربينا، ونسجل كلماته الغالية، كان ذلك منذ سنوات عديدة، قبل انفتاح القنوات الفضائية وتيسيرها لقاء العلماء، فلم يكن لنا حيلة لنتعلم ديننا إلا أن نبحث بدأب عن أي جلسة لهؤلاء العلماء ونفعل المستحيل لنتواجد فيها، لم نعبأ بقرارات المنع والترهيب، وإصرار الكيان الحاكم على إخفاء تلك الكنوز عنا؛ فكنا نبحث ونتباحث حتى نجد لأي منهم مجلسا ولا نغيب عن تلك المجالس أبدا، وإن اضطررنا لصلاة الجمعة في الشمس الحارقة أو على درج السلم المهدم، ورءوسنا تتصبب عرقا من شدة الزحام.
فهمت أنها ورثت الأمانات حتى تلقى ربها خالصة، أرادت أن تحملني أنا الأمانة وترحل في سلام فقبلت مرتعدة.
إن علمت هي قُرب موعد رحيلها، فمتى أُهيئ أنا نفسي للرحيل؟ هل سأُهدَى إنذارا واضحا قبل الرحيل؟ ما أرحمه الإنذار!
مرات أخرى كانت تتصل بي لتسألني بصوت متألم متبسم عن رغبتها في التبرع من أجل صدقة جارية، وظللت أبحث لها عن وسيلة باقية حتى هداني ربي لإحدى الهيئات التي تعمل على إقامة مسجد ومركز إسلامي في إحدى الدول الإفريقية التي تحتاج للدعم الدعوي الإسلامي بسبب تفشي التنصير في ربوعها.
لم أرها يوما تشكو ألمها الجسدي أو انكسار الأمل في تنشئة أولادها الصغار ومرافقتهم حتى مرحلة الأمان، كانت في شدة آلامها النفسية والجسدية دائما مبتسمة.
أذكر أننا تقابلنا قريبا على غير موعد في أحد المجالس التي اضطرت أن تحضره رغم اشتداد المرض عليها، لاحظت أنها تشعر بالبرد الشديد رغم اعتدال الجو، خلعت من على كتفي وشاحًا لي، وحاولت تدفئتها به، فإذا بها ترفض في إصرار؛ لأنها تخشى عليّ البرد ولا تريد أن "تتعبني"! أطلت إليها النظر في تلك الليلة وألح علي الخاطر بأني لن أراها مرة أخرى.
نبل الرحيل
ولكن الله أكرمني بلحظة أخيرة، انتقلت الحبيبة الرقيقة إلى عالم الغيبوبة، فاتصلت بزوجها لأستأذنه الزيارة، فإذا به يأذن لي قبل أن أطلب، فتأكدت أنه قد آن الأوان، ألغيت كل مواعيدي واجتماعاتي وعدت إليها من منتصف طريقي إلى أحد تلك الاجتماعات غير المنتهية، دخلت عليها في العناية المركزة علها تنتبه إليّ، فوجدت زوجها مرابطا على فراش رحيلها، يقف عندها علّها تعود.
وكان لزوجها قصة معنا، سنوات وسنوات واسمه يتنقل بيننا لنبحث له عن عروس مناسبة، عُرضت عليه كل صويحبات الدرب، فإذا به يأبى إلا نفسًا شفافة وجدها فيها، وكان خبر ارتباطهما عندنا فرحة وفرج، فمن اليوم سيرفع عنا حمل البحث له عن عروس، لو يعلم ذلك الأخ العزيز كم من جندي خفي تمنى أن يجمعهما، جاهلا بألم الفراق السريع.
ذهبت بعيدا حتى لا أقطع عليه خلوته المؤلمة، وانتظرت حتى خرج لي في ثبات مؤلم، وقفت عندها لا أفقه ما أقول، غابت عني، رقيقة شفافة هادئة كعهدي بها.
في أقل من ثانية أخرجني الطبيب، وانتظرت بجوار الزوج أنتظر الخبر، يخرج إلينا الطبيب بكلمات هادئة غير واضحة ويعود إليها.. مرة تلو المرة، ويأبى رحيلنا قائلا: انتظروا، ثم عاد أخيرا وأبلغنا بأنه قد أُذن لها بالرحيل.
ما أنبله من رحيل! ظن الشاهدون على دمعي أني أبكي فيها الموت..
أبدا ما فعلت، فالموت أبدا لا يبكيني، بل هي الدنيا والبقاء فيها، بكيت ولديها الصغيرين ويتمهما، بكيت أبيها وأمها وحسرتهما، بكيت زوجها المكلوم الثابت الصابر، بكيت ألمه على الفراق، بكيت صمته النبيل.
ولكن أشد ما بكيت.. أشد ما بكيت رحيلها النبيل بدوني!
عندي عقيدة خاصة، يفسرها السذج بأنها قنوت ويأس من الدنيا!
يضحكني تفسيرهم، فمن منا باقٍ؟! طال العمر أو قصر.
يضحكني تعلق أهل الدنيا بها وإصرارهم على التمسك بتلابيبها، يضحكني حتى الأعماق!!
فمن خبرنا أنّا جئنا لنحيا فيها؟ فلنمر بها مرور الكرام إلى أن نرحل.
عقيدتي أن المولى رحيم، مهما لوثنا النقصان ومهما غبرتنا الذنوب، فالمرء لا يُذنب بعد الرحيل ولا يشتهي النقصان، فإن رحلنا رُحمنا.
أميل لرأي الأئمة العظام الذين قالوا إن الخلد في الجنة وأن ليس في النيران خلود.
أظن في ربي أنه بنا راحم، بمجرد رحيلنا إليه لن يلقانا إلا بالمحو والغفران.
ولمن اجتهد مثل صاحبة دربي النبيلة، لا أظن في ربي إلا القبول، والله لا أزكي على الله أحدًا، ولكني أظن في الله الخير والعدل.
عندما يرحل أمثالها، أشعر بالأمان لهم، أشعر بأنهم قد وصلوا إلى بر الأمان.
هناك لا نجد ألما للجسد ولا فراقا للأحبة ولا خزيا للذنب ولا نفوسًا قد عكرتها الظلمات.
هناك نلقى الأحبة.. محمدا وصحبه.
أما هنا، فالفراق علينا أمر مكتوب، نرضى به وبغيره؛ حبًّا وأملا في الله،
رضاء من القلب لا يشوبه الاعتراض، رضاء يثبت على الثغر بسمة آملة في عفو الرحمن.
فلنحب من شئنا، أولسنا مفارقيه؟!
قد يشد عليّ أنين الفراق.. يشد.. ، وقد كثرت عليّ مشاهده، فالنفس لا تهفو إلا لمصاحبة الأخيار، إلى أن يؤذن لها بالرحيل.
أقعدني الفراق
وكان المرض قد اشتد عليّ بعد رحيل الصاحبة، وبقائي أنا هنا، فمنعني من توديع الراحلين من جرحى غزة إلى تركيا لمتابعة العلاج.
دائمًا ما أحرص على توديع المفارقين من الأحياء والأموات؛ لتقديري أن لقياهم غالية، تعز في هذا الزمان، فحرصت على زيارتهم ليلة رحيلهم، فمنعتني تلك الليلة من أن أكون معهم في الصباح حتى المطار.
اشتد علي المرض من رقيّ ما رأيت فيهم من قيم و مشاعر، وحرماننا نحن في عالمنا الدنيوي من التمتع بتلك القيم الرفيعة.
أحزنني فراق كثير من هؤلاء الشباب المجاهد، فُطرت أنفسهم على رفعة القيم ونبلها.
ذلك الشاب المجاهد الوجيه، تفتيت حاد في عظام الساق، يختبئ منا تحت ستر فراشه، يبكي.. يبكي.. يبكي..
أظنه يبكي ألم الجراح، فيخرج رأسه ناظرا في ألم رفيع، يحادثني عن بلوغه خبر استشهاد ثلاثة من رفاقه، ويبكيه أنه لم يرحل معهم، ويتساءل عن أسباب اصطفائهم وبقائه هنا.
فارس الليل الطويل ينهض بمعجزة ربانية، أول ما ينطق يبكي بكاء حادا لنكف عن تلاوة القرآن على مسمعيه؛ ليبدأ هو في صلاة متداخلة من خلف غيبوبته، ويختمها باكيا أنه ما زال هنا ولم ينل الشهادة.
أقعدني رحيل النبلاء عن عالمي، أجلس وقت رحيلهم، هم في مطار القاهرة، و أنا على فراش وعكتي.. أرتل آيات الذكر الحكيم، أقرأ في ذلك المصحف الذي تلقيته هدية منهم عند الوداع، فوعدتهم أن أحفظ منه ما يبقيني هنا بين أهل الدنيا.. ما يبقيني لأشهد حُكما بأن يَنفَق الرجل واقفا أملا في رغيف عيش، فيُحرم حتى رحيل النبلاء.
ما يبقيني في عالم سيطر حكامه على مقاعد خشبية مطلية بلون الذهب، ظنا منهم أنهم جالسون عليها أبدا.
أولم يرحل عنهم الأب والحِب من قبل؟!
آه.. الموت جلوسا على كرسي ذهبي، في أي صفحات التاريخ تُكتب مثل هذه الميتة؟
بجوار صاحب رغيف العيش، أم على أجساد الشهداء؟
تحضرني عند مفارقة الأحبة معانٍ كانت قد حضرتني من قبل عندما فارقت خواص من الأحبة.
كان قلمي قد خطها أملا في صحبة مُعِينة لي على أمر هذه الدنيا، تصورت فيها أنه لو أُذن لي بالرحيل فسيكون لي شأن آخر مع الأحبة، أوليس لنا فيها ما نشتهي؟
إذن سأمحو من الوجود مخلوقًا سُمي بالفراق، وسأصاحب من أتمنى من الأخيار، سألقى عُمْرا مطالبة إياه بالتكرار، وأشجب وأدين أصحاب الكراسي المذهبة وأمنع عنهم الأنهار.
لو أُذن لي بالرحيل.. سأتلثم يدُ الحبيب أقبلها و أداعب أزهار الرمان في حدائق الصديق.. هو لن يمنعني... سأتحايل على الفاروق و أسرق الفلوذج من قصوره.. و لن يحرمني.. سأبارز سعداً و حمزة و ابن الوليد.. و تعلو ضحكتي حين أهزمهم... و سأجلس على ضفاف نهر من أنهار الجنة.. و أثرثر في آذانهم... و أخبرهم... كم تمنيت أن أجاهد معهم..
آهٍ لو أذن بالرحيل.. لأصبح كبارنا كأبي بكر وعمر وعثمان، وأصبحت نساؤنا كخديجة وحفصة وعائشة.
لو أُذن بالرحيل لرافقنا الشهداء والمجاهدين وأصحاب الجنان، وما نظرنا في وجوه محتلي التلفاز والصفحات الأولى ليل نهار.
لو أُذن بالرحيل لتخيرنا الصحبة وما حُرمنا بالحدود والسدود مرافقة من نحب من أهل الزمان، القلة القليلة الباقية من أهل الثبات.
صبرًا إلهي حتى نرحل..
نبقى مرابطين على الثبات..
على أمل الرحيل.

.http://www.lojainiat.com/index.php?a...wMaqal&id=2918















عرض البوم صور أبوسليم   رد مع اقتباس
قديم 27-01-09, 12:09 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو شرف
الرتبة:
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية صقر الغناميين

 

البيانات
التسجيل: Mar 2008
العضوية: 4058
المشاركات: 858 [+]
بمعدل : 0.13 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 299
نقاط التقييم: 10
صقر الغناميين is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
صقر الغناميين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


كاتب الموضوع : أبوسليم المنتدى : منتدى الخواطر الأدبية و النثر
افتراضي رد: على أعتاب غزة / لو أُذن بالرحيل

كلمات تستحق الوقوف عليها ساعات طويله

تسلم على النقل

لا عدمناك















عرض البوم صور صقر الغناميين   رد مع اقتباس
قديم 27-01-09, 09:48 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
النخبة
الرتبة:
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية حزين من الفراق

 

البيانات
التسجيل: Oct 2006
العضوية: 78
المشاركات: 554 [+]
بمعدل : 0.08 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 286
نقاط التقييم: 10
حزين من الفراق is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
حزين من الفراق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


كاتب الموضوع : أبوسليم المنتدى : منتدى الخواطر الأدبية و النثر
افتراضي رد: على أعتاب غزة / لو أُذن بالرحيل

شكرا لك .
.
كلمات أكثر من رائعة . .
.
و نقل موفق















عرض البوم صور حزين من الفراق   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أُذن , أعتاب , بالرحيل


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL