لم يكد المعلم الشاب يدخل الفصل لبدء حصته الدراسية مع تلاميذ الصف الأول الابتدائي حتى فوجئ بتجمع تلاميذ الفصل الصغار حول سلة المهملات الموضوعة في إحدى زوايا الغرفة. ولأن الصغار لم ينتبهوا لمعلم اللغة العربية وهو يدخل الفصل فقد استمروا في هرجهم وصياحهم وتعليقاتهم اللاهية حول السلة....ومن فيها! أقول ومن فيها لا «وما فيها»، على اعتبار أن هناك ما يتجاوز محتوياتها المعتادة بكثير ليكون كائنا بشريا...نعم، فقد كان يقف وسط السلة المليئة بمحتوياتها من المهملات تلميذ من تلاميذ الفصل!! وهو لا يفعل ذلك كشيطنة طفولية مثلا، ولا بحثا عن شيء اختفى وسط السلة مثلا اخر، بل يفعله تنفيذا لعقاب فرضه عليه معلم الحصة المنصرمة بسبب نسيانه كراسة المادة في البيت. ولأن ذلك المعلم أراد عقابا مبتكرا وغير مسبوق لهذا التلميذ الذي ارتكب إثما عظيما بنسيانه للكراسة فقد فرض عليه أن يقف في سلة المهملات على اعتبار أنه مجرد «زبالة»، وفقا لتعبيره، كما فرض على بقية زملائه أن يكرسوا هذا المفهوم التربوي الذي ابتكره معلمهم للتو فيجتهدون في إلقاء ما توفر لديهم من «زبالة» على رأس زميلهم المسكين القابع وسط السلة بإذلال يفوق قدرة احتماله ودرجة وعيه بما يحدث.
حدثت الحكاية في إحدى مدارس وزارة التربية في (بلد عربي)، وقد رواها لي بحذافيرها الموجعة تربويا وإنسانيا معلم العربية الشاب والذي كان متأثرا بالموقف الذي كان شاهدا عليه ومشاركا في تداعياته النهائية.
ورغم ما في الحكاية من جانب مظلم احتل معظم المشهد فإنه لم ينجح في إخفاء إضاءة واهنة تمثلت في حماسة معلم العربية الشاب والذي علمت فيما بعد انه، باختياره الحر لا الوظيفي، اختار الصف الأول الابتدائي ليكون مضمارا لعمله في التدريس منذ تسع سنوات ايمانا منه بأهمية هذه المرحلة العمرية بالذات في تكوين شخصية الكائن البشري فيما بعد . فقد حاول هذا المعلم ان يعالج الموقف بالوقوف في وجه زميله وتعنيفه بطريقة غير معتادة، ليس انتصارا للتلميذ الصغير وحسب بل لقيمة المعلم التي أهدرها ذلك المعلم الأرعن!.
لقد كتبت هذه الحكاية بحذافيرها في مقالة ذات يوم ونشرتها فعلقت إحدى المعلمات ضاحكة : ولكن هذا أمر عادي يا عزيزتي !! ولم أدر ماذا أقول رداً على ضحكتها التي استرسلت بعد ذلك طويلا..!.
بقلم سعدية المفرح