سَّعَادَةُ الصَّحَابَةِ بمُحمَّدٍ - صَّلى اللَّهُ عَّلَيْهِ وَّسَّلَّمَ - :
لقد جاء رسولنا - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس
بالدعوة الربانية ، ولم يكن له دعاية من دنيا ؛
فلم يلقَ إليه كنزٌ ..
وما كانت له جنة يأكلُ منها ..
ولم يسكن قصرًا ..
فأقبل المحبون يبايعون على شظفٍ من العيش
وذروةٍ من المشقة ، يوم كانوا قليلاً مستضعفين في
الأرض ، يخافون أن يتخطفهم الناسُ من حولهم .
ومع ذلك ؛ أحبه أتباعه كل الحب .
حُّوصِروا في الشعب ..
وضُيِّقَ عليهم في الرزق ..
وابتُلوا في السمعة ..
وحُوربوا من القرابة ..
وأوذوا من الناس ..ومع هذا ؛ أحبوه كل الحب .
سُّحِبَ بعضهم على الرمضاءِ ..
وحُبسَ آخرون في العراءِ ..
ومنهم من تفنن الكفارُ في تعذيبه .. وتأنقوا في النكال به ..
ومع هذا ؛ أحبوه كل الحب .
سُّلبوا أوطانهم ودورهم وأهليهم وأموالهم ..
طُردوا من مراتع صباهم وملاعب شبابهم ومغاني أهلهم ..
ومع هذا ؛ أحبوه كل الحب .
اُبتلي المؤمنون بسبب دعوته ..
وزلزلوا زلزالاً شديدًا ..
وبلغت منهم القلوب الحناجر ..
وظنوا بالله الظنونا ..ومع هذا ؛ أحبوه كل الحب .
عُرِّضَ صفوة شبابهم للسيوف المصلتة ، فكانت على
رؤوسهم كأغصان الشجرةِ الوارفة !!
وكأنَّ ظِلَّ السيفِ ظِلُّ حديقةٍ *** خضراءَ تنبتُ حولنا الأزهارَ
وقُدِّمَ رجالهم للمعركة ، فكانوا يأتون الموت كأنهم في
نزهة أو في ليلة عيدٍ !! ؛
لأنهم أحبوه كل الحب .
يُرسَل أحدهم برسالة ويعلم أنه لن يعود بعدها إلى
الدنيا ، فيؤدي رسالته !!
ويُبعثُ الواحدُ منهم في مهمة ويعلم أنها النهاية ،
فيذهب راضيًا !! ؛
لأنهم أحبوه كل الحب .
ولكن :
لماذا أحبوه ، وسعدوا برسالته ، واطمأنوا لمنهجه ،
واستبشروا بقدومه ، ونسوا كل ألم وكل مشقة وجهد
ومعاناة من أجل أتباعه ؟!
إنهم رأوا فيه كل معاني الخير والفرح ، وكل علامات البر والحق .
لقد كان آية للسائلين في معالي الأمور ..
لقد أبرد غليل قلوبهم بحنانه ..
وأثلج صدورهم بحديثه ..
وأفعم أرواحهم برسالته ..
لقد سكب في قلوبهم الرضا ؛ فما حسبوا للآلام في
سبيل دعوته حسابًا ..
وأفاض على نفوسهم من اليقين ما أنساهم كل جرح
وكدر وتنغيص .
صقل ضمائرهم بهداه ..
وأنار بصائرهم بسناه ..
ألقى عن كواهلهم آصار الجاهلية ..
وحط عن ظهورهم أوزار الوثنية ..
وخلع من رقابهم تبعات الشرك والضلال ..
وأطفأ من أرواحهم نار الحقد والعداوة ..
وصب على المشاعر ماء اليقين .. ؛
فهدأت نفوسهم ..
وسكنت أبدانهم ..
واطمأنت قلوبهم ..
وبردت أعصابهم ..
وجدوا لذة العيش معه ..
والأنس في قربه ..
والرضا في رحابه ..
والأمن في اتباعه ..
والنجاة في امتثال أمره ..
والغنى في الاقتداء به ..
{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } .
{ وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم } .
{ ويخرجهم من الظلمات إلى النور } .
{ هو الذي بعث في الأميين رسولاً
منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي
ضلال مبين } .
{ ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي
كانت عليهم } .{ استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } .{ وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } .
لقد كانوا سعداء حقا مع إمامهم وقدوتهم .
وحق لهم أن يسعدوا ويبتهجوا .
يا ليلة الجزع هلا عدت ثانية *** سقى زمانك هطَّالٌ من الدِّيم
اللهم صل وسلم على محرر العقول من أغلال الانحراف ،
ومنقذ النفوس من ويلات الغواية .
وارض عن الأصحاب والأمجاد ، جزاء ما بذلوا وقدموا .
لا تحْزْنْ ..
( د. عائض القرني ) .