أحكام المزاح الشرعي والضحك
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ويل للذي يُحدث فيكذب ليُضحك به القوم ويل له» رواه أبو داود. يدل الحديث دلالة واضحة على حرمة المزاح الذي يُراد به إضحاك الناس اذا كان كذباً وللترهيب من ذلك فقد كرر عليه الصلاة والسلام «الويل له» مرتين لتأكيد النهي.
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - انه كان يمزح ولكنه لا يقول في مزاحه إلا حقاً، وكان مزاحه فيه تطييب لنفس الصحابة وتوثيق للمحبة، وزيادة للألفة بين أفراد المجتمع الاسلامي.
ويجوز الكذب لدفع الضرر عن النفس وعن الغير من المؤمنين - بل أجاز البعض الحلف كاذباً حينئذ - كما يجوز الكذب أيضاً للاصلاح بين المؤمنين.
٭ شروط المزاح الشرعي:
- ان لا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالدين وبالرسول - صلى الله عليه وسلم - لان ذلك من نواقض الاسلام، قال تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا فقد كفرتم ايمانكم» التوبة/ 65-
- ومن المحرم أيضاً الاستهزاء ببعض السنن ومثاله ما انتشر بين الناس من الاستهزاء بالحجاب الشرعي واللحية وتقصير الثوب والأكل باليد اليمنى ونحوها، ومثاله أيضاً انتشار بعض النكات التي تستهزئ بأحكام الدين، يقول ابن عثيمين - رحمه الله - «فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء ولا بإضحاك ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر، لانه يدل على استهزائه بالله عز وجل ورسله وكتبه وشرعه، وعلى من فعل هذا أن يتوب الى الله عز وجل مما صنع، لان هذا من النفاق».
- لا يكون المزاح إلا صدقاً، ولقد حذر عليه الصلاة والسلام من الكذب بالمزاح بالحديث السابق بقوله أيضاً «ان الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساؤه يهوي بها في النار أبعد من الثريا» رواه احمد.
- أن لا يقصد بالمزاح التخويف والترويع، خاصة ممن لديهم قوة ونشاط ويخشى إيذاء الآخرين بمزاحهم بأيديهم أو بسلاح أو قطعة حديد او الذين يستغلون الظلام وضعف الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف الذي قد ينتهي بكارثة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إشهار السلاح في وجه الآخر مخافة اصابته تهديداً او مزاحاً، وفي حديث أبي ليلى - رضي الله عنه - قال« حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - انهم كانوا يسيرون مع النبي -صلى الله عليه وسلم - فقام رجل منهم فانطلق بعضهم الى حبل فأخذه ففزع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل لمسلم ان يروع مسلماً» رواه ابو داود.
- ان لا يكون المزاح للاستهزاء الغمز واللمز، من الناس من يحلو له الغمز واللمز والاستهزاء بالآخرين وهؤلاء قد يجدون شخصاً يكون لهم مطية لاضحاك الناس والتندر، وقد نهى عز وجل عن ذلك بقوله «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان» الحجرات/11، وفي تفسير ذلك يقول ابن كثير «المراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم والاستهزاء بهم، وهذا حرام، ويعد من صفات المنافقين» ومما يوسف له ان البعض من ضعاف النفوس يستهزئ بالخلقة أو طريقة الكلام وطريقة المشي، وفي ذلك يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من معاقبة الله تعالى بقوله «لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك» رواه الترمذي.
- ان يكون المزاح كثيراً أو ثقيلاً، ذلك ان المزاح فسحة ورخصة لاستمرار النشاط والترويح عن النفس لا يجوز التمادي فيه وإلا اصبح ديدناً وصفة للمازح، وهو عكس الأمر الذي يجب ان يكون عليه المؤمن قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - «اتقوا المزاح فانه حمقة تورث الضغينة» وقال الامام النووي رحمه الله والمزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويُشغل عن ذكر الله تعالى ويؤول في كثير من الأوقات الى الايذاء، ويورث الاحقاد، ويسقط المهابة والوقار، وأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله.
- أن يعرف بالمزاح مقدار الناس، فإن البعض يمزح مع الجميع ولا يفرق بينهم دون اعتبار للعلم او العمر ونحوهما فللعالم توقيره وللكبير تقديره، ولهذا يجب معرفة من يمازح حتى لا يقع بالخطأ، يقول عمر بن عبد العزيز «أتقوا المزاح، فإنه يذهب المروءة» ويقول سعد بن أبي وقاص «إقتصر في مزاحك، فإن الافراط فيه يذهب البهاء، ويجرئ عليك السفهاء ومن مازح السفيه أو الاحمق سقطت هيبته وهانت نفسه».
- ان يكون المزاح خفيفاً وقليلاً كالملح بالطعام فإن كثرته تفسد الطعم، قال عليه الصلاة والسلام «لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب» وقال عمر بن الخطاب «من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن فرح استخف الناس به ومن أكثر من شيء عُرف به» فكثرة المزاح تجعل الغير يجترئ علي المازح ويذهب بماء الوجه وقد يؤدي الى الصغار .
- ان لا يكون بالمزاح غيبة او نميمة، فقد يتخذ البعض المزح مدخلاً للغيبة وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله «ذكر أخاك بما يكره» رواه مسلم.
- ضرورة اختيار الوقت المناسب للمزاح، كأن يكون في رحلة او تبسط بالحديث أو للتخفيف من تأزم المشاكل خاصة الأسرية، أما في مواقف الحزن والجد فلا بد من الابتعاد عن ذلك.
وهذا لا يعني ان المزاح كله محرم، فعندما سئل سفيان بني عُيينه - رحمه الله - «هل المزاح هجنة أي مستنكر؟ قال: «بل هو سنة، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه» وعندما سئل ابن عمر رضي الله عنه «هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والايمان في قلوبهم مثل الجبال
منقوووووووول