الاثنين 11, يناير 2010
أحمد الملا
لجينيات ـ هناك من يتشدق بالوطنية، ويعزف على أوتار حبها، ولا يكتب مقالاً إلا وتراه يجعل وطنيته تدفعه إلى هذه الكتابة، ولا يعقد معه لقاء إلا ويبين أن حياته ونسكه وسكنه في سبيل خدمة وطنه، كل ذلك يدفعه إلى التهجم على العلماء والدعاة في سبيل الوطن، وقد ينسب الوطنية إليه وإلى من هم على شاكلته حتى لا يكاد يبقي للناس شيئاً من هذه الوطنية، ولكن هذا النوع نجده في النائبات مفقود، وأيان الجد منخذل منحسر، وإذا جاء وقت إثارة الفتن تمدد وظهر بآرائه وأفكاره ومقترحاته.
إن بعض ما نراه من هجوم متكرر على العلماء والمشايخ والدعاة بين فينة وأخرى من قبل بعض الكتاب ما هو إلا قليل من كثير، حيث صوبوا أقلامهم في سابق من الأمر نحو فضيلة الشيخ صالح الفوزان، ولما انتهوا من تلك الهجمة نقلوها إلى الشيخ صالح اللحيدان، ثم الشيخ عبد الرحمن البراك والشيخ عبد العزيز الفوزان، ثم الشيخ سعد الشثري تلاه الشيخ محمد المنجد، وأخيراً الشيخ محمد العريفي ولن يكون آخرهم، فهؤلاء الذين تجرأ أرباب الأقلام عليهم يكونون عند المواقف الوطنية أكثر نفعاً، وأحسن موقفاً من أولئك المتغنين بحب الوطن.
ولقد أغاضت الزيارات المتكررة من قبل المشايخ إلى تخوم المعركة وساحة القتال في جنوب السعودية مع الحوثيين بعض المتوغلين في الصحف والذين يملكون زمامها، ويسيّرون دفتها، لذا لم نجد لهذه الزيارات تغطية إعلامية شافية في الصحف السعودية، في الوقت نفسه الذي تقوم صحف خليجية بتغطية هذه الزيارات بالصور واللقاءات. أوليس من حب الوطن أن تذكر مواقف هؤلاء الذين ذهبوا يعرضون أنفسهم للخطر يحرضون الجنود، ويثبتون الأفئدة، وينصحون ويوجهون، أوليس من حب الوطن أن يذكر جميلهم حتى وإن كان ثمة خلاف في المنهج أو التوجه إذا كانت الوطنية تجمعنا؟ إن جَبُن أولئك المتفيهقين في حب الوطن عن خوض أرض المعركة، والسير تحت أزيز الطائرات، ودوي الرصاص، وقبعوا خلف مكاتبهم، فلا أقل من ذكر هذه المواقف المشرفة للعلماء والدعاة؛ لأن من شأنها أن تبين (اللحمة الوطنية) بين أطياف المجتمع التي يدعون إليها.
بيد أنك تجد من أولئك الكتاب وتلك الصحف من يلهث خلف كل ما من شأنه النيل من ثوابت المجتمع وأعرافه، أو إثارة الفتنة وإشاعة الفاحشة، فلو أنتجت كاتبة سعودية رواية هابطة لطارت بها الصحف تكتب عنها، وتروج لها، وتبرز إبداع كاتبتها، وتصور ذلك بالفتح العظيم الذي يقتل الرجعية ويحي المدنية، حتى وإن كانت الرواية ترفع الرذيلة وتضع الفضيلة، فلا يهم إذا كانت توافق توجهاتهم و تخدم مصالحهم، وإن كانت الرواية تفتقد المصداقية في الطرح، وتحمل السذاجة في التعبير، أو ربما تنعدم فيها شروط الرواية الحقيقية. ولو أحيت فنانة في خارج البلاد حفلاً لنشروا صورها، وغطوا حفلتها، وأجروا اللقاءات معها، كما فعلوا مع إحدى الفنانات التي غنت من أجل لبنان بعد حربها الأخيرة.
إنك والله تعجب من الوطنية التي يحملونها، فإذا كانت الوطنية هي التكتم عن أخبار تخدم الوطن، وترفع من حماس المواطنين، وتظهر الإحساس بما يعانيه الجنود، فكيف تكون محاربة الوطن إذاً؟! أولئك المشايخ والعلماء ذهبوا دون ضجيج، يمثلون الصدق الذي يحملونه في دفاعهم عن دينهم ووطنهم، يحفزون الهمم، ويثبتون الأفئدة، ويلقون التوجيهات التي تشد من أزر الجنود، وتسليهم في محنتهم وبعدهم عن أهليهم، بينما أولئك الكتاب يتكتمون عن أخبارهم إمعاناً في الإقصاء والبغض ، فشتان بين من يتشدق بالوطنية ولا يخدمها، و بين من يحملها هماً إذا لم ينطق بها فعل.
ومضة:
أولَئِكَ قَومٌ إِن بَنَوا أَحسَنوا البُنى وَإِن عاهَدوا أَوفَوا وَإِن عَقَدوا شَدّوا
أحمد الملا
22/1/1431هـ