منذ عقود واجتماعات الدول العربية منشغلة بقضاياها السياسية، وحل الخلافات البينية، وتراشق الكلمات والاتهامات بين زعمائها في سبيل استعراض قوى استخدام أفظع كلمات الإهانة والتجريح في ما بينها، ولم تتفرغ في معظم اجتماعاتها لمناقشة قضايا اقتصادية تهم شعوبها ومستقبلها، وما صدر منها حتى الآن ليس إلا قرارات هامشية على جانب قمم الدول العربية، كانت قرارات غير مؤثرة على حركة الاقتصاد في الوطن العربي.
ولهذا بقي الاقتصاد العربي من بين كل التكتلات الحالية في العالم الأضعف من حيث البنية والقوانين والأنظمة، وأيضاً عدم القدرة على مواجهة التحديات أو التكتلات الاقتصادية العالمية مثل الاتحادين الأوروبي والآسيوي.
لم تستفد الدول العربية من تجربة الدول الأوروبية التي خرجت من الحرب العالمية الثانية إلى فكرة التجمع الاقتصادي والإفادة من الميزات النسبية في الإنتاج والتخفيف من المنافسة التي تسود العلاقات الدولية، وقررت أن تستعيد مكانتها في المجتمع الدولي بإنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي وقبول خطة مارشال الأميركية لإعادة تعمير أوروبا وإنشاء المنظمة الأوربية العليا للفحم والصلب, وإنشاء اتحاد البنلوكسي، وأخيراً السوق الأوروبية المشتركة التي قادت بدورها إلى قيام الاتحاد الأوروبي.
واقع الاقتصاد العربي أيضاً يحتاج إلى التفاتة من قادته، فضلاً عن المفاوضات التي تجرى حالياً لبعض الدول للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية مثل اليمن والسودان والصومال، فماذا قدمت جامعة الدول العربية من مساعدات لرفع كفاءة هذه الدول لتتمكن من الانضمام، وكذلك الدول الأخرى التي لا تزال تتفاوض، أليس هذا التأخير من شأنه إلحاق الضرر بالاقتصاد العربي؟
في الواقع أن أجندة اجتماعات الدول العربية التي انتظمت منذ أعوام قليلة، تركزت بشكل رئيس على القضايا السياسية، فغاب عنها مشروع منطقة التجارة العربية الحرة، وأيضاً التركيز على المداخل الأخرى للتكامل على صعيد الإنماء والتنسيق الانتاجي والاستثمار والعمالة والنقل والمواصلات. غاب عن القمم العربية مشكلات انتقال السلع والبضائع العربية وفتح الحدود لتنقل العمالة ورؤوس الأموال، وبحث اتحاد البورصات وهيئات السوق المالية المشتركة.
الهم الاقتصادي العربي، جزء مهم من جسد الأمة العربية، إذا صلح اقتصادها ونمت إيراداتها, كان صلاح مجتمعها. اليوم البطالة وضعف الصادرات، الإصلاح الاقتصادي، معوقات تحول دون قيام تكتلات، فقامت اتفاقات ثنائية، إلا أن هذه الاتفاقات رهينة للعلاقات السياسية بين الحكومات، وهو ما يمثل قدراً كبيراً من المخاطرة أمام القطاع الخاص العربي وأمام رؤوس الأموال الخاصة، لأنه هو أول المتضررين من التذبذب في هذه العلاقات السياسية.
حينما نتحدث عن الاقتصاد في الوطن العربي. فإنه بالتأكيد نتحدث عن عدم قدرة القطاع الخاص في التأثير على الحكومات العربية، وسيطرة السياسات الحكومية على قرارات القطاع الخاص، وهذا يعني عدم وجود تشريعات أو قوانين تدعم التوجهات الاقتصادية.
هل كان تغييب الاقتصاد في المؤتمرات والقمم العربية, التي عقدت في السابق، متعمداً، أن حال الوطن العربي وما يعانيه من أزمات وراء هذا الغياب؟ ماذا قدمت الجامعة العربية لتحسين اقتصاديات دول أفريقيا العربية، أو حتى تلك الدول التي لا تزال ترضخ لديون أو لديها مشكلات اقتصادية؟ ما التحركات الفعلية التي تمت منذ قيام الجامعة العربية في 1945؟ ما أهم الانجازات الاقتصادية التي يمكن أن نطلق عليها أنها أجندة اقتصادية متكاملة؟ معظم الدول اعتمدت على صادرات البترول الخام ومشتقاته وبعض المواد الأولية، تجاهل معظم الاتفاقات المبرمة بين الدول العربية ثنائية أو جماعية لدور القطاع الخاص في تنفيذ هذه الاتفاقات، وجود العديد من المعوقات في مجال البنية الأساسية اللازمة لدعم التجارة والاستثمارات العربية البينية من جانب القطاع الخاص، خصوصاً في مجال النقل والمواصلات.
هل يمكن أن نقول إن التجارة البينية بين الدول العربية مفرحة، والرقم 10 في المئة تمثل من التجارة الخارجية العربية، إذا كان مناخ الاستثمار غير مشجع بالنسبة للدول العربية، فكيف يمكن أن نقول، إن بقية التكتلات والاتحادات ستجد مغريات لها في الوطن العربي، أو كيف يمكن أن نقول أن بيئة المناخ الاستثماري بالنسبة للأموال العربية أو المحلية المهاجرة أن تجد مكاناً آمناً لها في أوطانها، منذ التسعينات من القرن الماضي، ونتيجة الأزمات السياسية شهد الوطن العربي هجرة كبيرة لأمواله إلى الخارج, خصوصاً إلى دول أوروبا وأميركا، وحتى دول آسيا.
ليس صحيحاً أن أحداث 11 (أيلول) سبتمبر عام 2001 أعادت تلك الأموال، فقنوات الاستثمار حتى الآن غير ناضجة أو مشجعة. قضية الإغراق في الأسواق المحلية، أليست موضوعاً يحتاج من قادة العرب لمناقشته وطرحه؟ الضرائب، الرسوم الجمركية، المناطق الحرة، إقامة المصارف العربية، تكتلات مالية، توحيد أنظمة القضاء وفض المنازعات التجارية؟ هناك ضعف في الشفافية والبيروقراطية في انجاز الإجراءات الإدارية
التحولات الاقتصادية في العالم اعتمدت على توسيع دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وتحول الدولة من دور اللاعب الأساسي إلى دور الحَكَم، وراسم السياسات.
مثلما يهتم رؤساء الدول باجتماعاتهم الدورية لمناقشة قضاياهم السياسية، ومستقل المنطقة في ظل المتغيرات وكذلك ما يحدث من حولهم، وما يحيط المنطقة من مخاطر، يحتاج أن تنشط هذه الدول من جانب آخر في تحسين اقتصادياتها، وقوانينها، وأنظمتها.
كما أن الأحداث السياسية تفرض نفسها على الساحة، فمن الضروري أن يكون الاقتصاد هو الحدث الأهم في المنطقة.
في الواقع في الخليج العربي وكذلك على مستوى الوطن العربي، تبرز الإمارات العربية المتحدة، وبالتحديد إمارة دبي، تعد نموذجاً رائعاً لتطبيق بعض القوانين والأنظمة التجارية الفعالية، التي يمكن أن تكون تجربة قابلة للاستنساخ في خارطة الوطن العربي، وكلنا يعلم كيف كانت دبي قبل عقد من الزمان، وكيف هي الآن؟ تزاحم الشركات الكبرى للحصول على موطئ قدم لها في العقار والمشاريع السكنية، تسهيلات تجارية، تنقلات، مناطق حرة.
اذكر مرة قرأت حواراً لحاكم دبي نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، انه طالب بمؤتمر عربي للإصلاح الاقتصادي، يكون الغرض منه مناقشة القضايا الاقتصادية وهموم الشارع الاقتصادي، ويخرج بحلول مقترحة.
وأسوق هذه الأفكار مع قرب انعقاد قمة الجامعة العربية في الرياض، بأن يتوصل الزعماء إلى قرار تاريخي، من شأنه أن يدفع بالاقتصاد العربي نحو القوة وإزالة المعوقات، وتسهيل الحركة الاقتصادية، بعيداً عن التشنجات السياسية، أو المصلحة المنفردة، تنظر في المعوقات الاقتصادية التي تمنع تقدمها، او تمكنها من المنافسة في الأسواق العالمية.
متأكد أن الزعماء العرب سيجدون أن الحل الاقتصادي هو الحل السياسي، ولن اخفي إعجابي بكلمة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي قال في إحدى مناسباته: «إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد، فيجب وضع الحصان أمام العربة».