بقلم / حليمة مظفر
اتفقنا على الثرثرة أثناء تناول الغداء أنا وصديقتي في أحد مطاعم جدة، إنها من أجمل علاقاتي رغم اختلاف ميولنا واتجاهاتنا الفكرية، فهي ليست ممن يحملون هما ثقافيا أو اجتماعيا، وتعيش كأي مواطنة عاملة وربة بيت.
ولأني حليمة اللئيمة، سألتها: سمعتِ باستحداث وظائف خادمات للسعوديات؟
قالت وهي تلتهم اللازانيا: نعم.. والله خطوة حلوة.
رفعت حواجبي وقلتُ: حلوة..؟!
قالت: قرار جيد.. سيريحنا من مصاريف الفيزا ومكاتب الاستقدام، وسرقة( فلوسنا) بتكرار هروبهن.. وبدل من إعطاء خادمة أجنبية الراتب أعطيه لبنت بلدي.
قلتُ: أهااااا.. ستساهمين في معالجة تكدس النسوة اللاتي يفتقدن المعيل والتعليم والعمل على أبواب الجمعيات الخيرية التي ما عادت تستوعبهن؟
قالت: بدلا من التسول. ولا تنسي نَفَسهَا في الطبخ السعودي.. فتصوري تعبي لتعليم الأجنبية طبخ الجريش والمرقوق والكبسة.
قلتُ: فاتت عليّ!!.
وأكملت بحماس: إذا طُبق القرار.. سأحضر واحدة لأجل الطبخ..فمعدة زوجي لم تعد تتحمل النَفَس الفلبيني.
سألتها: ألا تقلقين من إثارتها انتباه زوجك فيتزوجها، ستضطر لخلع العباءة أثناء تنظيف البيت..؟
أجابت: لست مغفلة.. سوف تختص بالمطبخ فقط.
قلتُ: أوووووه.. لماذا؟
قالت: هل تعتقدين السعوديات (فالحات) في التنظيف اليومي كالآسيوية؟ وهل سيرضين بغسل دورات المياه ـ أعزكم الله ـ يوميا؟
قلتُ: أهااا.. أعتقد أنها ستحطم اعتقادك.
ثم سألتني: وما رأيكِ؟
أجبتها: عمل محترم لشريحة من النسوة غير المتعلمات والمعسرات، ثم ألم يقل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "سيد القوم خادمهم".
وبعد رشفة عصير أكملتُ: هناك من رفض الفكرة من بعض النخبويين المنظرين المخمليين مبررين رفضهم بأننا دولة غنية، فيما السبب الحقيقي هو التعصب والنعرة السعودية في احتقار هذه المهنة، وأتصور أنها أزمة ثقافية ناتجة عن أوهام الطفرة الاقتصادية التي ما نزال نحلم بأيامها المنتهية.
قالت: لكن معهم حق.. ألسنا دولة غنية؟
قلت: صحيح.. والواقع يقول غير ذلك.. فأعداد المعسرات تتكدس، وما من علاج مسؤول، في ظل اضمحلال الطبقة المتوسطة، واتساع الطبقة الفقيرة، والبركة في الأسهم والقروض البنكية.
قالت: إذن تؤيدين القصيبي؟
قلت: بكل تأكيد.. لماذا ننظر دائما على أننا مختلفون، فيما نحتاج إلى تصحيح ثقافي حقيقي؟. ولماذا لا تكون لدينا جليسة أطفال ومربية وطباخة وخادمة سعودية؟، ولكن بشرط.. سن الوزارة لقوانين تكفل احترامها المهني وحقوقها المادية والمعنوية، كتحديد ساعات العمل والإجازة، كأي مهنة شريفة تكفيها شر السؤال والعمل غير الأخلاقي.
وعادت حليمة لعادتها القديمة وقلتُ لها: لو استقدمنا خادمة أمريكية أو أوروبية.. هل ستعامل معاملة الآسيوية..؟
قالت ولم تنه مضغ لقمتها: ومن يجرؤ؟.