لديّ اعتقاد بأننا هُنا في عقر دارنا نملك أكبر عدد مما يُسمى بالاستراحات في العالم. الاستراحات لمن لا يعرفها من الأخوات والإخوة القرّاء العرب عبارة عن قطعة أرض تختلف مساحتها باختلاف ثراء مالكها أو مستأجرها. مُسوّرة بجدران عاليه (للستر) حتى لا يُرى ما يجري بداخلها، فيها مُلحق وغالباً خيمة وبعض الأشجار والمسطحات الخضراء. يتخّذها ربعنا ملاذا يجتمع فيه الأصدقاء ليقضوا فيها (أوقاتهم) وليس فقط أوقات فراغهم.
وحتى أكون منصفاً لا ألوم فكرة الاستراحات ولا من يلوذ بها لأن ما دفعهم لابتكارها واللجوء إليها هو غياب وسائل الترفيه الجماعي الجاذب والمقدور عليه ماديا ومكانياً.
حين يجتمع الكبار سناً وعقلا فلا تثريب عليهم فيما يفعلون لأنهم يدركون النتائج ويعرفون العواقب، إنما حينما يجتمع شلّة من المراهقين في استراحة بعيداً عن أعين الأهل ومحاذير القانون فهنا تبدأ المشكلة وقد لا تنتهي إلا بجنوحٍ أو فاجعة.
وأيضا هُنا لا ألوم هؤلاء الصغار حين تُحاصرهم الممنوعات من كل جانب ويحبسهم الكبت داخل زنازين المُحرمات المجتمعيّة لا الدينيّة.
أقول (لو) - هذه (اللّو) لا علاقة لها بفتح سبل الشياطين بل من أجل فتح باب الأسئلة - لو جدّ جِدنا للقضاء على العطالة عن العمل لتوقف نصف الراحلين تجاه هذه الاستراحات، ولو أنشأت الجهات المسؤولة عن الشباب أندية الأحياء التي تحوي : قاعات عروض مسرحية وسينمائية وحفلات غنائيّة، مسابح عامة، مقاهي مرتبة ونظيفة، مكتبات وصالات رياضية، ملاعب خارجية لكافة الألعاب، قاعات للأفراح والمناسبات لكفّ الجادون في الحياة عن المساهمة في دفع تكاليف استئجار تلك الاستراحات.
لو أنشأنا صغارنا على مفهوم مشاركة الآخرين في المنافع وألغينا حكاية تملك وخصوصيّة الأشياء لقضينا على البقيّة الباقية ممن يجدون في الاستراحات خصوصيّة حُرة.
إن الهدر المالي والمائي واستهلاك الكهرباء ناهيك عن تدمير الصحة في تدخين التبغ (بأنواعه) والسهر الطويل وتوطين بؤر الجنوح والانحراف بسبب تلك الآلاف المؤلفة من الاستراحات في طول الوطن وعرضه وبال على أفراد المجتمع ألا يستحق الالتفات ومن ثم المعالجة؟
بقلم عبد الله ابراهيم الكعيد
يا لهذه الأرائك المستترة ؟
العرض المتطور
