قبل أيام ابتهل أحد الدعاة بأن يهلك الله أمريكا وأن يجعلها عبرةً لمن لا يعتبر، حينها ردّ عليه أحدهم وقال: ليتك تستثني المؤسسات التي تنعم بمنتجاتها التقنية وعلى رأسها "أبل".
البعض غرق هياماً بالثمرة لكنه يدعو على الشجرة. التقنية التي بين أيدينا هي ثمرة صراع ثقافي ونضال فكري وفلسفي، لم تكن هذه التقنيات بأنواعها لولا ازدهار العلوم. نحارب العلوم والدول التي أنتجت العلوم ثم نعشق التقنية ونغرد من جهاز ابتكره ستيف جوبز للدعاء عليه ولأن يجعل الله قبره ظلمةً ووحشة. أحترم الذين اتخذوا مواقف مطّردة من التقنية بسبب موقفهم من الغرب فركبوا الخيول وسكنوا بيوت الطين، لكن العجيب الذي يحارب الغرب وهو وأولاده وبيته غارقون حتى آذانهم بالمنتجات الغربية على مستوى الاستهلاك.
أتمنى أن نستفيد من التقنية لمعرفة أسرارها، لو سألنا أي أحدٍ عن طريقة عمل ماكينة "الحلاقة" لن أقول الآيفون أو الآيباد، بل ماكينة الحلاقة أو المكنسة الكهربائية! القليل سيعرف الطريقة أو سيكون له الحد الأدنى من معرفة أسرارها. أرقام استهلاكنا للتقنية كبيرة جداً وربما هي الأعلى بالمنطقة، لدى كل شخص جوال أو جوالان، ورقم أو رقمان، ولديه آيباد أيضاً إضافةً إلى الأجهزة الأخرى. كل هذا من دون أن نتأمل حق التأمل بالتقنية وأسرارها وعوالمها المدهشة.
نشرت جريدة "الشرق" قبل أيام الخبر الذي جاء فيه:" أفاد التقرير السنوي لهيئة الاتصالات أن حجم الإنفاق التقديري على خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في السعودية بلغ حوالي 94 مليار ريال (06. 25 مليار دولار) العام الماضي مقابل نحو 21 مليار ريال في عام 2002 بمتوسط نمو سنوي بلغ 16%.وأصدرت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات تراخيص جديدة لعدد من الخدمات المختلفة بلغ إجماليها 292 ترخيصا، مقابل 30 في عام 2011".
مليارات ننفقها في سبيل هذه التقنيات، أعلم أن الكثيرين يستخدمونها بالخير والتواصل المحمود، غير أن العجب العجاب أن تتحول هذه الاستخدامات إلى أساليب لتزجية الوقت وإضاعة المال، وهيئة الاتصالات تخاف من أي تطبيقٍ مجاني وتسعى إلى التضييق عليه!
بآخر السطر، علينا قبل أن ننبهر بالثمرة أن نتفحص الشجرة، التقنية ثمرة التقدم العلمي الكبير في أوروبا وأميركا واليابان والصين وهذه التقنيات نتاج عقول وأدمغة استثنائية، وللأسف البعض لا يزال يكتب من الآيفون داعياً على مبتكر الآيفون وعلى الدولة التي توجد فيها مقرات شركة الآيفون، بالفعل صدق الأثر الذي يقول:"عُرج بالعقول".
تركي الدخيل