الأيام القليلة القادمة هي حتماً ليست أياماً عادية، ففيها سوف ينتهي طيش "طاش" وتنفد الألوف من الحروف. قريباً سوف تغلق الحارة أبوابها، وسيعود "نمر" ليرقد في قبره، ويركن سائق "التاكسي" سيارته إلى حيث كانت قبل عام فات، كما سوف تعود الكاميرا مكشوفة ولن تبقى "خفية". بل إن الأيام القادمة قد تحمل معاني أهم إذ ستنتهي فيها طقوس"الفيمتو"، وبالتأكيد سوف تعود "الشوربة" و"السمبوسة" إلى سباتها شبه السنوي، وسوف تزول تلك الرائحة الكريهة لزيت القلي من الهواء والشوارع قبيل المغرب. نعم، قريباً سوف نتخلص من رسائل الجوال المجهولة التي تنادي لسراب الجوائز والكنوز، وستبدو برامج المسابقات كما لو أنها أعلنت إفلاسها، وحينها ستنقلب عيون كثير من الناس طبيعية كما كانت فترجع العدسة محل علامة الدولار كما صورتها أفلام الكرتون!.
أقول كل ما فات وأنا أشعر بأسف شديد، فالسلاح الإعلامي استطاع بصورة تدريجية قولبة "رمضان" في تلك المفاهيم المتعلقة بالتلفاز والطبخ إجمالاً لأغراض تجارية مخزية، وذلك من خلال الكم الرهيب للإعلانات التجارية السطحية التي يشع بريق الاستغلال في كل منها بصحبة عبارات رنانة توثق العلاقة المتناقضة بين تلك المنتجات وهذا الشهر الفضيل.
وبعيداً عن ضجيج التلفاز ورائحة الزيت، فإن حقيقة الأيام القادمة تمثل مشارف انقضاء شهر الفضيلة حيث تبلغ الروحانية منتهاها، والتآسي على انتهاء شهر الخير والبركة عسى الله أن يتقبل صيامنا وصالح أعمالنا جميعاً، وسوف نفقد ذلك الشعور الإنساني الرائع في المساواة والمشاركة اليومية مع جميع المسلمين حول العالم أياً كانت طبقاتهم وأجناسهم ولغاتهم. كلها أيام وسوف نفقد الكنوز والجوائز الحقيقية، وهي كنوز الفضيلة والأجر نسأل الله أن يدركنا إياها في ميزان أعمالنا. هذه هي المفاهيم التي تجعل من الأيام القادمة أياماً غير عادية، وهي المفاهيم التي لا نرى إعلامنا المتغافل يصورها لنا أو يذكرنا بها إلا من رحم ربي.