المتابع للأقلام الاعلامية هذه الايام يلاحظ الهجوم المركز على مهرجانات القبائل و مزاين الابل بدعوى انها تثير النعرات و توقظ الفتن ما ظهر منها و ما بطن .
حقيقة ً انا احترم كل ما كتبه الأساتدة الأفاضل حول هذا الموضوع الشائك و المتشعب . و أشاطرهم الرأي في كثير ٍ مما ذهبوا اليه . و لكن دعونا نقـر اولا ان هذا التكريس للقبيلة لم يأتي من فراغ و ليس وليد اللحظة . و انما هو رد فعل طبيعي لعقود من التهميش الاعلامي و لن اتجنى على الحقيقة ان قلت عقود من التعتيم و الاقصاء .
و نتيجة لذلك فقد خبت القبلية من على السطح ظاهرياً لكنها بقيت متأصلة في نفوس افرادها لانها موروث متجدد و كينونة اجتماعية بقيت صامدة لآلاف السنين في وجه كل محاولات اذابتها و تمييعها و صهرها في الحضارات التي مرت على جزيرة العرب بشكل مباشر . او تلك التي هيمنت على بعدها الاقليمي مثل دولة الفرس او الروم او البيزنطيين .
ان القبلية في المملكة العربية السعودية و قفت سداً منيعاً امام المد الشعوبي و امام دعوات التغريب الظاهر منها و المستتر . و تمسكت بأصالتها و عاداتها العربية التي توارثتها و جعلت منها منظومة قيم متعارف عليها و مرتكزة على الدين الاسلامي و على الولاء للوطن .
لذا يتحتم علينا الا نحاكمها حين وجدت الفضاء المفتوح و الرحب الذي اخرجها من مرقدها و احتضنها لتقول انا هنا بسلبياتي و ايجابياتي و امثل الشريحة العظمى من المجتمع .
و كان الأولى بمثقفينا بدل مهاجمتها ان يناقشوها و يتواصلوا بشكل ايجابي مع رموزها لتهذيبها و كبح عنانها . لتخرج للملأ بشكل سوي بعد تفريغها من العنصرية و النعرات و الشوائب خاصة و انها تفتقد الى الخطاب الاعلامي الرصين لحداثة عهدها بالاعلام و لبساطة رموزها و عدم حنكتهم و عدم التخطيط للصورة التي يودون تقديم انفسهم بها الى المجتمع . فجاءت احتفالياتهم غير ذات مضمون و غير ذات بعد و غارقة في الخصوصية .
ان القبلية كانت و مازالت من ضمن النسيج الوطني و لم تخرج من منظومته في يوم من الايام . فهي ليست تيارا ايديولوجيا له اهدافه و برامجه المستقبلية و أطره و مفاهيمه و ليست بدعة ابتدعها المبتدعون . القبلية هي انتماء متجذر للارومة العربية له تاريخها و امجادها و عمقها المتأصل و هي عبارة عن تركيبة اجتماعية خاصة بابناء الجزيرة العربية و ركيزة من ركائز الوطن الواحد . و على ايدي ابنائها وُ حد هذا الوطن ولازالت و ستبقى باذن الله تساهم في بناء هذا الوطن على كافة الاصعدة
حقيقة اخواني انه من المؤسف ان نحاكم القبلية بهذه القسوة فهي صمام امان هذا الوطن و ركيزته الاجتماعية الاولى و مركز الثقل فيه و لقد اثبتت على مر العقود ولاءها و طاعتها و انقيادها لكل ما يخدم الصالح العام و يزيد اللحمة الوطنية لهذا الجسد السعودي الواحد .
سادتي لماذا نحاكم القبلية قبل ان نحاكم المناطقية و قبل ان نحاكم التشرذم الفئوي و التعنصر المذهبي المقيت و قبل ان نحاكم التيارات الفكرية المسيّسة التي باتت هي الخطر الاكبر .
ان القبلية ايها الاكارم ما هي الا رابط اجتماعي يرتكز على اواصر الدم و القربى و مظلة لا تتعدى بأي حال من الأحوال ان تكون مظلة اجتماعية شكلية .
و مع اني ضد التعنصر و ضد التفاخر و المبالغة في الظهور الاعلامي بهذا الشكل المبالغ فيه . لكني لا ارى مبررا لكل ما ذهب اليه الاخوان من آراء توحي للقارئ بأن القبلية هي الخطر القادم الذي يهدد الوحدة الوطنية .
كذلك لا يحق لنا ان نخرجها من نسقها الاجتماعي و ان نوهم انفسنا انها تيار صاعد يجب التصدي له و القضاء عليه . ان الحراك الاجتماعي ظاهرة صحية و الوطن يحتمل جميع ابنائه بجميع توجهاتهم و منابتهم .
اما ما استفزني اكثر فهي جملة وجدتها في احد المواقع كتبها احد الاخوة او الاخوات لا اذكر بالضبط و العبارة تقول ( لا للقبيلة ) او ( لا للقبلية ) و كأن القبيلة اصبحت وصمة يتنصل منها البعض او صفة يجب ان ننفيها عن انفسنا و كأنها تتعارض مع الثقافة او الرقي او الحضارة بالمجمل . و ضحكت اكثر عندما اكتشفت ان اكثر المسجلين في الموقع ابناء قبائل كريمة نعتز بهم و نقدرهم . لذا فاني سأتجرأ و أقول لهم افسخوا عن معرفاتكم ثوب القبيلة لنقتنع بطرحكم و بوجهة نظركم .
و لكني و للامانة سأجد لكاتبها عذرا قويا و مقنعا ان كان الهدف من ايرادها التأكيد على ان الموقع ثقافي و نخبوي و لا يقبل الطروحات القبلية . حينها سأعتذر له بشدة و اقول لا تلمني يا سيدي فأنا الآن اتابع قناة الساحة و ارى الابل امامي و الاهازيج و الاحتفالات و هذا المشهد الذي لم اعهده على الشاشات ادى الى تأجج الحمية البدوية في اوصالي و جعلني اهتز طربا لأمتشق قلمي من غمده مدافعا عن موروثنا الاجتماعي الذي سيبقى ماثلا في ثقافتنا و في سويداء فكرنا شئنا ام ابينا . و لن نستطيع التنصل منه وان اجتهدنا
و ان تظاهرنا و ان تصنعنا .
بقلم الآتي الأخير