5- المرونة:
لا شك أن من الأمور المهمة المتصلة بفعاليةالتخطيط هو ما يتعلق بالتغير الذي يمكن أن يحدث في الظروف أو الافتراضات التي بنىعليها التخطيط. والذي يفترض ثبات الأحوال التي يتنبأ بها ويضع الخطة على أساسهايكون كمن لم يقم بالتخطيط أصلاً ، بل إنه سيواجه بالفشل في أول تغيير يمكن أن يحدثفي هذه الظروف.
ويتحول من المبادرة إلى رد الفعل، ومن التخطيط إلى الارتجال. "فإن ثبات الحال من المحال"
لذا واجب على المخطط أن يكون لديه منذ البدايةبدائل متعددة وأن يكون هناك احتمال لكل موقف وافتراض، تماماً مثلما وضع الرسول (ص) خطة غزوة مؤتة حينما قال زيد بن حارثة هو الأمير على الجيش فإن أصيب فالأمير جعفربن أبي طالب فإن أصيب فعبد الله بن رواحه.ثم ترك الأمر بعد ذلك للمسلمين يتصرفون فيضوء الموقف.
ولعل أوضح مثال لما يسمى الآن بالتخطيط بالسيناريوهات باعتبارهأحدث صيحة في التخطيط هو ما نراه في هجرته (ص). (وهو ما سوف نتناوله بشكل أكثرتفصيلاً في موقع آخر بإذن الله).
وبصفة عامة يراعي في التخطيط المرونة بافتراضالظروف المختلفة والعمل لكل منها بشكل مسبق، وكذلك ألا تعتبر المخطط نفسه وحيداً فيالميدان فيكلم نفسه ويرد عليها. وهو للأسف حال الكثيرين الآن. وإنما عليه أن يجرحواراً تخطيطياً مع منافسيه أو أعدائه (سيناريو) ويضع في ضوئه خطته (ماذا لو....؟) وهو من أرقى درجات التخطيط.
6- وضع آليات الرقابة والمتابعة:
يغيب عنالكثيرين من الذين يقومون بالتخطيط الاهتمام بآليات الرقابة والمتابعة إلا بعد أنينتهي العمل أو تحدث مشكلة أثناء القيام به فيبدأ الاهتمام بالمتابعة والرقابة ، بلإن الرقابة لا تعدو في معظم الأحيان مفهوم التفتيش وضبط أحد متلبس بالخطأ ثممعاقبته.
وهذا المفهوم في الحقيقة بعيد كل البعد عن المعنى الإداري للرقابةوالمتابعة.
فكل عمل تخطيطي يقوم به الإنسان لا بد من رقابة ومتابعة تكمله، إلاتحول التخطيط مع الوقت إلى مجرد أمنيات وأفكار نظرية تبتعد كثيراً عن واقع التطبيق.
وللرقابة الفعالة عدة أركان أهمها:
وجود نظام حاكم للرقابة وقائم عليها .§تصميم معايير إنجاز يتم بناءاً عليها تحديد مدى ما حدث من نجاح أو فشل بدلاً§من الاعتماد على الحكم الشخصي والهوى.
تصميم مقاييس للتأكد من مدى موافقة ما§يتم تطبيقه لما تم تخطيطه في ضوء المعايير المسبقة. وأن كل ما سبق يتم تحديدهمسبقاً قبل البدء في أي عمل تنفيذي. وعلى قدر تصميم معايير بسيطة وسهلة الاستخدام ،تكون فعالية النظام الرقابي. ولعل عبقرية الإداري في الرقابة تتجلى بشكل واضح فيمدى قدرته على تصميم مقاييس من هذا النوع الذي يتوافر فيه مواصفات السهولة والفهموالبساطة في الاستخدام.
وبالرغم من أن المقالة لن تتعرض تفصيلاً لموضوع الرقابةإلا من زاوية ارتباطها بالجانب التخطيطي باعتباره موضع اهتمامها ، فأنني أود أنأشير أن للرقابة مكانة راقية في الإسلام بكل ما تحمله من أركان وضمانات نجاح متقدمةومتميزة ويكفى لنا أن تتذكر الآتي كدلالة على ذلك:
1. هناك معايير لأداء كلمسلم في كل عمل ما الذي يجب عليه فعله ومالا يجب وبشكل واضح ومحدد على مستوى العمر، أو العام أو الشهر أو الأسبوع أو اليوم أو الليلة.
2. أن كل ذلك يتم تسجيلهفوراً "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
3. أن هناك نظام متكامل للمتابعةوالتسجيل والإحصاء ثم العرض والمناقشة وتلقى كل ذلك بشكل مكتوب يوم الدين .
4. التأكيد على ذلك في أكثر من موضع في القرآن مثل: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكمورسوله والمؤمنون ، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كتم تعملون"
5. أن دوائر الرقابة تتسع لتشمل:
دائرة المولى عز وجل.§رسوله صلى§الله عليه وسلم.
سائر المؤمنين.§العرض عليه يوم الدين فينبئ بكل عمل.§
6. أن ذلك يجعل من النظام الرقابي نظاماً فريداً وشاملاً لا يدانيه أي نظام آخر، خاصة وأنه يشمل دوائر إذا تم تفعيلها من قبل أي مدير تجعل الرقابة الذاتية فيأعلى درجاتها ومن ثم تحقيق أعلى درجة من الالتزام والإتقان النابع من تقوى المرءومراقبته لله عز وجل ومحاسبته لنفسه "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج لهيوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً"
7. التوجيه النبوي: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنعليكم" ولعل هذه المبادئ وما أيدها من تطبيق عملي في هدى الرسول صلى الله عليه وسلموصحابته المهديين لخير دليل على ضرورة الاهتمام بموضوع الرقابة على الوضع الإداريالصحيح والدقيق ومنذ بداية عملية التخطيط كأحد أركانها المتممة وبكل ما سبق أنأشرنا إليه من مقومات خاصة بها، وعدم ترك هذا الأمر لمجرد الاجتهادات والأهواءوالأحكام الشخصية التي تتقلب وتختلف حسب المزاج مما يحول العمل إلى تباين آراءوأهواء واختلاف نفوس ووجهات نظر، وبعداً عن الحقيقة والكفاءة التي حث عليها الإسلامووجهنا للعمل بها والسعى لتحقيقها.
ولعلنا بعد هذه الوقفة القصيرة حول مفهوم منمفاهيم الإدارة في الإسلام قد أشرنا إلى بعض المبادئ المهمة التي فتح الله علينابها ولا ندعي الإحاطة بكل ما يمكن أن يكون عليه التخطيط في تراثنا الإسلامي العظيموإن كان الأمر يحتاج منا إلى وقفة خاصة لنستعرض بعض مواقف وحالات عملية للتخطيط فيحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما نرجو من الله أن يعيننا على إنجازه في مرةقادمة بإذنه