كتبه/ أبو عبدالله الرحابي
لجينيات
تقلّبتُ أنا وابنتي الصغيرة ذات الأربع سنوات على الأرض ألاعبها وأضاحكها - كما يفعل الآباء مع أبنائهم- فقلت لها : أنا أمريكا , وأنتِ (دولة كذا) دولة عربية (وإلى هنا لا شيء في الأمر) .. فرفعتُها عالياً مُظهِراً قوتي .. وأَدرْتها في الهواء بأسلوبٍ ترى فيه القوة والمهابة .. ثم أَدرْتها على الأرض وهي تمارس الضَّحك والمتعة وترى إليَّ بعين الإعجاب بأنَّي القوي وهي ضعيفة لا تقاوم (دولة عربية) ..
ثم .. انقلب الدور فقلت لها : أنا دولة عربية (والعربية ضعيفة طبعاً) وأنتِ أمريكا .. فأخذتْ ابتسامتُها تعلو وضحكاتها ترتفع .. وأخذتُ أنا في المقابل أرعد أطرافي وأتخوَّف وأجبُن .. أمسكتني بكل قوتها فتظاهرتُ - حقيقةً لم أستطع التراجع- بالضَّعف فأخذتْ تتقاذفني يمنةً ويسرةً وأنا معها أسير يمنةً ويسرة .. وتضربني لكمةً يعقبها لكمةً بكل قوّتها وأنا أصدّها –لئلا تتأذى- غير أنَّي أسقط مهزوماً وهي تعلو عليّ بقدميها تارةً وبيديها تارة وتقعدني بطريقة الدواب لترتحلني وأنا لا أخالف لها إشارةً ...وهكذا طال الأمر بنا وابنتي الصغيرة ذات الأربع سنوات "أمريكا" وأنا ذو العضلات المفتولة "الدولة العربية"!
حتى انتهت الجولة وانقضت متعتها باللعب وذهبتُ أنا – بعد أن أذنت لي بالذهاب طبعاً – وذهبتْ هي وهي منتصرة فرحة مزهوة بالأنس والغلبة ...
كيف ذلك ؟ وماذا نريد من هذا ؟
تعالوا نفسّر كيف تغيرت الأمور لنقف على معاني للقوة ودروس علمتني إياها ابنتي الصغيرة رعاها الله :
- قد نكون بلغنا القوة أو قل وقفنا على أسبابها في أنفسنا غير أننا لم نقتنع بعد بذلك لغلبة الوهن والتضليل والخوف من الآخر .
قالوا أن أزمةً حلّت بدار القوم .. ولكن لا نريد أن نصدق ونذهب لنأتي بإحصاءات الخسائر من المليارات لبني جلدتنا لنزيد وهننا إلى وهن .. كأن القوم سلموا !
- قد يبدو الضعيف قوياً إن أتحنا له الفرصة لذلك فيذوق طعم الانتصار ليتحول الطعم إلى حقيقة وغلبة .
- القوة هي ما تملكه من وهم عن نفسك أو الآخر ، وجهلك بحقيقة نفسك أو الآخر !
- قد نظهر للآخرين بأننا الأقوى بمبادئنا وإيماننا وقيمنا ونعتز بذلك أمامهم غير أن وقت المواجهة تتراجع تلك القناعات المحكمة وتختفي انعكاساً لشدة الانبهار والتشويش .
- قد يسقط القوي و لا نزال نغنّي ببطولاته وفتوحاته ! وقد ينتصر الأضعف ونظل نخرج ألسنتنا غير مصدِّقين –أو لا نريد- هزءً بما يصنع!
- كثيراً ما يجهل النّاس عن سنن الله في الأمم ومعرفة أسباب بقائها وضعفها والإيمان بها ، فتقام مسبباتها في أمةٍ –وإن كانت كافرة- ثم نتجاهلها مؤمِّلين بالنَّصر لأننا أمة مسلمة ! ومتغافلين عن الظلم والربا وتجاوز حدود الله والكفر والشرك والردة وتحكيم الطواغيت وغيرها ... التي تدير كفة القوة لصالح الأمة الكافرة العادلة التي تملك الأسباب .. (بأمر الله وعدله وإنفاذاً لسننه) .
- وقد نقف على أسباب القوة في أنفسنا كسنّةٍ من سنن الله في الأمم فينبغي أن لا نتجاهلها بل نصرّ عليها ونبصّر بها .
- أن نثق بكل خطوة نخطوها نحو القوة الحقيقية عالمين بمستندها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مؤمنين بالوعد الحق صابرين على المداولة للتمحيص والمدافعة للتثبيت متعاونين فيما بيننا على كلمة سواء مجتمعين على حبل الله وحبل من الناس فرادى كنا أو مجتمعات أو حكومات أو شعوب ..
- القوة ثقة بالمنهج وأخذ بالأسباب وإبطال للموانع وثبات حتى النصر وبعد النصر ..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7