حتى لا تكون حماس أقل عقلا وأقسى ذراعا؟
بقلم خالد حسن
لا أدري كيف حسمت حركة حماس الموقف العسكري من جماعة "عبد اللطيف موسى"، زعيم ما سُمي بـ"أنصار جند الله"، وقبل هذا الموقف الفكري، فخصومها أو مخالفوها، الذين أعلنوا قيام إمارة إسلامية في غزة: "ضلاليون تكفيريون"، حسب قاموس متحدثي حماس..
فكرة الإعلان عن إمارة سلامية من مجموعة يغلب عليها الغلو، ظاهرة صوتية وخطوة دعائية، قد تجد من ينفخ فيها، وربما يصنع منها مجموعة وظيفية، يضرب بها هنا وهناك. لكن هل بمثل هذا المنطق الاستعدائي والأوصاف الجاهزة، تعالج الانحرافات وتواجه المجموعات المسلحة المعارضة.. والملاحظة أن منهج المحاججة والإقناع وفقه المناظرة وحرية تداول وتبادل الرأي تراجعت في ساحات حماس أمام سطوة القوة وبريق السلاح.
سلطة حماس مسؤولة عن تصرفاتها، فكما تُنصح هذه المجموعة المعترضة على حماس أو تلك بحسن الطلب، فإن المطلوب من حماس، حسن الأداء، والتعاطي بحكمة وتعقل وتروي في مثل هذه المواقف الحرجة.. ثم الأولى أن نسمع صوت العلم والعقل، لا أن نترك الأمر للمتحدثين باسم حماس، وما أكثرهم، يتلاعبون بالكلمات ويوجهون التهم...حتى ولو كان الطرف المقابل غارقا في الغلو....
وهل رأت حكومة حماس في هذه المجموعة المعزولة ما تستحل به الدماء، ولم لم تحاورهم، وتسمع منهم مطالبهم أو شبهتهم أو مقالتهم.. كما جلس الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، رضي الله عنه، مع معترضيه من أهل مصر والبصرة والكوفة، وحتى بعد أن انحرفت المجموعة المعارضة عن خطها بعد ذلك، استشار الخليفة عثمان من يثق برأيه وعلمه (عبدالله بن عمر رضي الله عنه) في كيفية التعامل معهم.
والعبرة ليست بما يتصرف به هؤلاء، لأنهم مجهولو الحال، وإنما الأصل في تعامل صاحب السلطة والشوكة.. خاصة إذا كانت المجموعة تحركها شبهة أو تأول خاطئ أو مطلب حمال أوجه، أو بدعوى (نقضي الذي علينا ولا نؤخره..).
والأصل في المعترض، ولو حمل سلاحا، أن لا يتعرض للاضطهاد ولا يصادر حقه في الرأي ولا تتم تصفيته بدعوى الحفاظ على النظام وأن القانون يعلو على الجميع.. ولا يقاتلون إلا إذا ارتكبوا ما يُستوجب ذلك.
ثم مثل هذا الحسم العسكري يستدعي حالة من الانتقام وتبادل التهم، وبهذا تفتح جبهة جديدة من الاستنزاف والصراع الداخلي، ربما تضعف حالة الالتفاف والنصرة التي حظيت بها حركة حماس في أوساط الأمة.. خاصة مع تحول بعض السلاح أو توظيفه لحسم قضايا الخلافات والانحرافات الداخلية، وهذا قتال خطأ في المعركة الخطأ..
لعل بعض المغرضين استدرجوا مجموعة "أنصار جندالله"، وأغروها أو أوعزوا لها بالتحرك في هذا الوقت بالذات، إثارة للفتنة وتأليبا على الوضع القائم، أو فتح ثغرة في جدار غزة الصامد والمرابط، لكن لا نتخذ من هذا الصنيع قميص عثمان نرفعه في كل مواجهة أو حسم عسكري..
ويبقى ما حدث، يعكس تضخم أذرع حماس وعضلاتها على حساب العقل فيها..نعم يحدث في غزة ما يحدث في غيرها من أنواع المعارك والمواجهات خارج حدود الصراع، ولن تستطيع قوة سد كل منافذ تسلل الفتن واحتواء بؤر الاستنزاف الداخلي، مهما أوتيت من فهم ووعي، لكن الأصل في المقاوم النزيه والشريف الحر صاحب القضية العادلة، أن يعزز جوانب العدل والتعقل والعلم والرأي السديد والنظر في كيانه، لا أن يكون طاهرا نقيا من كل شائبة فهذا لن يكون، وليس مطالبا به، ولكن يرفع منسوب الحكمة والعلم وقوة الرأي والفكرة في جهازه القيادي..
مجلة العصر