إذن تشير التقديرات الاقتصادية أن خسائر الاقتصاد الوطني من التجاوز الاداري تصل إلى 3 ترليون ريال، والسؤال الآن كم هي حصة الأحياء المنكوبة في جدة من الرقم السابق؟ وأين تستوطن بقية الخسائر؟ وإلى متى سيستمر خضوع رجال الأعمال لهؤلاء المتجاوزين؟
صور التجاوز لا تقتصر على تطويع الأنشطة غير النظامية إلى نظامية، بل تعدينا تلك المرحلة إلى الحصول على مقابل مالي على ما هو نظامي، وتكون مثل هذه التصرفات واضحة جلية في إصدار التراخيص من خلال المعقبين ومكاتب الخدمات العامة لأنها تصدر من خلالهم بسرعة البرق وتصل التكلفة إلى خمسة آلاف ريال وقد تزيد.
والسؤال الآن، لماذا يطلب المعقبون تلك المبالغ وهي نظامية؟ وعلى من توزع؟ ولو حسبنا ألف ترخيص في السنة يصدر بهذه الطريقة تعني خمسة ملايين ريال على أقل تقدير، ولكم أن تضربوا الرقم السابق في عقد أو أكثر من السنين لتقدير حجم الأموال المدورة في دوائر التجاوز!
والسؤال الآن، ماذا لو كانت التراخيص غير نظامية كم المبالغ التي ستدفع؟ وما ذنب التجار النزيهين أو الذين لايعلمون بطرق التجاوز الاحترافية؟ هل عليهم الانتظار إلى أن ينتهوا من إصدار تراخيص أصحاب النفوذ؟ وإلى متى سيعاملون معاملة غير لائقة لأنهم نزيهون!
هناك صور أخرى للتجاوز مصبوغة بصبغات نظامية ومنها المساومة على المستخلصات بعد تنفيذ مراحل المشروع، وتصل مدة التأخير أحيانا إلى سنة برمتها بعد أن صبغها أولئك بصبغات نظامية كوضع ملاحظات سطحية لوقف صرف المستخلصات بغية الحصول على مكافأة الصرف!.
ما هو الهدف من مثل هذه الممارسات؟ هل هو ردع المقاولين والموردين غير المتجاوزين من الدخول في مناقصات مع القطاع العام حتى يخلو لهم الجو مع أبناء جلدتهم المتجاوزين!.
والسؤال الآخر، من أذن لهم باستعباد البشر بالمال الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل! وأين الجهات الرقابية؟
واجب الجميع وفي هذه المرحلة بالذات فضح هؤلاء للجهات المختصة كالمباحث الإدارية وعليها وغيرها من الجهات الرقابية التغلغل في نسيج القطاع العام حتى تجفف منابع التجاوز.
الكارثة ليست فقط في التجاوز الناتج عن الترسية بل يتعدى ذلك إلى سوء تنفيذ المشاريع وما يؤكد ذلك المقاولات من الباطن التي تجعل من مخصصات المشاريع أبواقا يقتات منها المتجاوزون على مختلف مستويات المهنية في أكل المال الحرام، وعلى التنمية والوطن أن يتحمل بشاعة نتائجهم كما حدث في جدة!.
ما تناولته قبل قليل هو جزء محدود جدا من منظومة التجاوز المتجذرة في أروقة القطاع العام وليس من حل لمكافحتها سوى التشهير، ومراقبة الحسابات المصرفية داخل الوطن وخارجه، والتحقق من مصادر أصول موظفي القطاع العام من منازل أو استثمارات مسجلة بأسماء أسرهم حتى لايستمر تدفق المال العام إليه متخاذلا لاحول له ولاقوة، فهو قطع ورقية لا يستطيع البوح بما يتعرض له من انتهاك لحقوقه وكرامته.
بقلم / عبد الله مغرم
عكاظ
التجاوز في المال العام !!!
العرض العادي
