(زود على هم الليالي غرابيل).. هذا ما حدث للمعلمات اللواتي ظهرن في برنامج الثامنة مع الزميل داود الشريان ليتحدثن عن أوضاع حركة النقل في وزارة التربية والتعليم، حيث اكتشفت اللجنة التي شكلتها الوزارة أن كل ما قيل في تلك الحلقة غير صحيح، فقررت الوزارة مقاضاة القناة ومقدم البرامج وحتى المعدين!!.. أما المعلمات اللواتي ظهرن في الحلقة، فإن المسألة لا تحتاج إلى مقاضاتهن، بل محاسبتهن وفقا لنظام الموظفين، في رسالة خطيرة مفادها أن كل موظف يشتكي من أوضاع داخل وزارته فإن مصيره المحاسبة والتأديب!.
لم لا؟.. فمعاقبة الشاكي أسهل من إصلاح الخطأ، فمن خلال هذه الإجراءات الصارمة سوف تتبخر الشكاوى وينتهي الصداع ويصبح كل شيء على أفضل ما يكون!، وعلينا جميعا التصديق بأن أولئك المعلمات اللواتي يعاني بعضهن من أمراض مزمنة ظهرن في البرنامج بهدف التسلية أو بحثا عن الشهرة!، فبدلا من مساعدتهن على التخلص من الظروف الوظيفية القاسية التي يعانين منها استعارت الوزارة صوت الزميل الشريان وصرخت بهن: (وشهولو تطلعن بالتلفزيون؟!) وقررت معاقبتهن دون تردد!.
أما كيف قررت الوزارة أن الشكوى غير صحيحة، وأن حركة النقل في الوزارة خالية من كل عيب أو خلل؟، فالمسألة أسهل مما نتخيل، حيث تم تشكيل لجنة من داخل الوزارة بحثت الموضوع داخل الوزارة وخلصت إلى أنه لا يوجد أي خلل داخل الوزارة!، ويا لها من لجنة عجيبة غريبة لم تقترح أي آليات جديدة لتطوير حركة النقل، ولم تعلن عن نظام إلكتروني جديد يخفف من سنوات المعاناة لطالبي النقل، ولم تخرج على الناس بأي إحصائيات أو معلومات تبشر بأن الفرج قريب، بل كشرت عن أنيابها المخيفة ولوحت بسيف العقوبات الإدارية الذي يمكن أن يطال أي معلم تسول له نفسه التصريح بمعاناته الوظيفية لوسائل الإعلام!.
لقد عانت وزارة التربية والتعليم طوال السنوات الماضية من شكاوى المعلمين والمعلمات في وسائل الإعلام وهاشتاقاتهم في تويتر، ولكن يبدو أنها اليوم قد وجدت الطريق الأسهل والأسرع لإنهاء كل هذه الملفات العالقة، فالحزم والصرامة مع المعلمين والمعلمات ستكون نتيجته المتوقعة الصمت المطبق، والصمت المطبق سوف يمنح الجميع شعورا مريحا بأن جميع المشاكل قد انتهت في لمح البصر، وهكذا بعد أن كانت الوزارة تهمل شكاوى المعلمين التي تتراكم مع مرور الزمان سوف تنهي هذه الشكاوى من أساسها؛ لأن المعلمين منذ اليوم وصاعدا سوف يخافون من التصريح بشكاواهم.. والشكوى لغير الله مذلة ما بعدها مذلة!.
أحمد الله العلي القدير بأنني لست موظفا في الوزارة التي تضيق ذرعا بشكوى معلمة مريضة تعاني واقعا مريرا، لولا قسوته لما تكبدت عناء الظهور على شاشة التلفزيون في مجتمع لا يحبذ ظهور المرأة في وسائل الإعلام، وكل ذلك من أجل أن تثبت أنها وزارة مثالية لا تدخلها الواسطة من قريب أو بعيد، وبأن كل هذه الشكاوى التي تعرفها أغلب الأسر السعودية حول حركة نقل المعلمات هي شكاوى كيدية كاذبة!... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خلف الحربي
عكاظ