في ظل الهجوم المستمر على حجاب المرأة المسلمة الذي لم يتوقف على مر السنوات، ولكنه يزداد مرة ويهدأ أخرى، في تناقض تاريخي يتغاضى عن ما تزخر به بيوت الأزياء وتتلقفه النساء في العالمين العربي والإسلامي من ملابس العري فيها أكثر من التستر!!
وهناك جزء مهم في ثقافة أي مجتمع نجده يتبلور في العلاقة بين الزي والجانب النفسي والاجتماعي، وليس الديني فقط. فالياباني يعرف من خلال الكيمونو والمرأة الهندية بالساري وبالطبع لا ننسى قلنسوة اليهودي وعمامة السيخ.
وكما يذكر كمال نورالدين خندوني في دراسته عن الذي يربط بين ثقافة الشعوب وارتداء الزي فمثلاً عندما يقدم سفراء بعض الدول أوراق اعتمادهم في دول أخرى نجدهم يرتدون الزي الوطني أو التقليدي ذلك أنه يمثل شعباً وديناً وحضارة، بل إن الصين التي حاول قادتها في الستينات تجاوز عقدة التشبه بالغرب فمنع الزي الأجنبي - أي الغربي - واستعيض عنه بالبذلة الصينية التي دخلت بصفتها مصطلحاً إلى القواميس الحديثة لتعني التمييز الصيني والصرامة الثورية في مقابل أزياء البذخ المنتشرة، ولكن الانفتاح على الغرب في السنوات اللاحقة أحدث تغييراً في الزي الذي يرتديه الشباب وإن ظلت البذل الصينية رداء وطنياً.
وكما هو معروف أن المفكر مالك بن نبي أفرد فصلاً في كتابه (شروط النهضة) عن مشكلة (الزي) واستعرضه من زاوية أن (الملبس هو أحد العوامل التي تخطط للتوازن الأخلاقي في مجتمع معين).
ذلك أن اللباس له تأثير على أفراد المجتمع إذ تنشأ علاقة بين الإنسان وبين الزي الذي يرتديه ونوع الشعور الذي يتولد من ارتداء نوع معين من الأزياء دون غيرها، فهناك تجاوب بين اللباس وذات الإنسان.
وقد كتبت سابقاً في الزاوية عن ملاحظات إحدى الصديقات عن التقارب والمودة التي كانت بين السعوديات في إحدى منتجعات سويسرا - كما تقول - ذلك لأن اللباس الذي كن يرتدينه هناك خاص بالتزج فلا مجال للتمييز بينهن، وكانت تستفسر عن سبب ذلك.. لأن بعض من كانت معهن هناك قابلتهن في باريس فوجدت منهن إعراضاً وأحيانا تجاهلاً..!! والتفسير الوحيد هو أن المكان في باريس مجال للمزيد من استعراض الأزياء والكماليات ويحدث التفوق بين هذه وأخرى!! وأنا هنا أتحدث عن علاقة نفسية واجتماعية بين اللباس وهؤلاء وليس العلاقة الدينية التي تفرض تغليب الستر على إظهار المفاتن والحلي والزينة.. وهذا ما سبق أن علق عليه مالك في حديثه عن الملبس إذ ذكر أنه من غير المعقول أن يكون شعور الأفراد واحداً عند ارتداء بذلة غربية مع رباط عنق وارتداء قميص أبيض وعمامة أزهرية - كما قال - ثم يعلن أن الملابس تسهم في تحديد حالتنا النفسية وانفعالاتنا مهما كان الموقف.
وبالطبع مالك وضح أن الملبوس يتدخل بصورة كبيرة في تحديد تصرف الفرد داخل المجتمع..
وإذا انتقلنا إلى الحجاب الذي هو الآن (قضية) بين المهاجمين والمنتقدين لحجاب النساء المسلمات في مختلف الدول الإسلامية نجد الحجاب مرتبط في معظم الديانات ، فالمسيحية شددت على أن حجاب المرأة بل وعلى النقاب فكما ذكر أن الرسول (بولس) يرى أن النقاب شرف للمرأة وكانت المرأة تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تتوارى في الدار.
وإذا انتقلنا إلى المرأة اليهودية فحجابها ظل مستمراً إلى القرن التاسع عشر حين ظهرت حركة الهكسلاه في غرب أوروبا التي قادت ثورة على الجيتو اليهودي وطالبوا باندماج اليهود في الشعوب الأوروبية وحدثت التغيرات في حياتهم وحجاب نسائهم. ورغم هذا لا تزال طائفة الحسيديم (الأتقياء عندهم) تحظر على النساء الأمهات السير سافرات!! ونساء الحسيديم يرتدين لباساً طويلاً ذا أكمام طويلة خاصة المتزوجات، والمتزوجة تغطي شعرها إما بوضع قطعة قماش أو شعر مستعار، وهناك طائفة (الستمار) الأكثر تشدداً وينتقدون كل ما هو بعيد عن التقاليد اليهودية ويحذرون من السفر بالقطارات المزدحمة حتى لا يختلطون بالنساء شبه العاريات - حسب قولهم -!! ويرفضون مشاهدة التلفزيون ولا يستمعون إلى الراديو ولا يذهبون إلى السينما والمسرح وتشترط هذه الطائفة على أعضائها بأن تكون زوجته ملتزمة بالثوب الطويل وغطاء الرأس.
وما حدث في إسرائيل في شهر مايو عام 2004م أن ظهرت لافتة في شارع في بني باراك كتب عليها (الإصلاح) والهدف منها اصلاح التشريعات وتقضي بتنظيم سير الرجال والنساء في الشارع وفقاً للإعلان فقد تحدد سير الرجال على رصيف والنساء على الرصيف الآخر، وذلك خوفاً من ارتكاب المحرمات في الشارع الضيق المزدحم بالناس وخاصة أيام السبت والأعياد المقدسة.. وقد تم تنفيذ هذا الإعلان بناء على قرار محكمة الطائفة بهدف الحفاظ على قواعد الاحتشام حسب الشريعة اليهودية!! ذكرت هذا في كتابها (حجاب المرأة بين الأديان السماوية الدكتورة هدى درويش.
.. ما حدث في هذا الشارع هو تطبيق لما جاء في التلمود بموجب قانون الاحتشام عند اليهوديات.. حدث هذا ولمن نسمع أن أي ناشطة غربية هاجمتهم واعتبرت هذا (تمييزاً) ضد النساء!! كما هي الحرب الشعواء الآن ضد حجاب النساء المسلمات!!