• محمد المنتظر
مما ثبت في السنة و اعتقده السلف الصالح و دانوا لله _ تعالى _ ثبوت المهدي ، و أنه سيخرج في آخر الزمان .
قال النبي ( صلى الله عليه و سلم ) : \" لاتذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي \"
و قال ( صلى الله عليه و سلم ) : \" يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده \"
و أخباره متواترة تواتراً لا يعتريه شك . (انظر : الإشاعة ( 87 ) ، لوامع الأنوار البهية ( 2/84 ) .
و في خروجه يكثر الخير ، و يعم الرغد ، و ترتفع الشريعة ، و يلحق الباطل ذلاً عظيماً ، و مهانة كبيرة . قال ابن كثير _ رحمه الله _ : ( في زمانه تكون الثمار كثيرة ، و الزروع غزيرة ، و المال وافر و السلطان قاهر ، و الدين قائم ، و العدو راغم ، و الخير في أيامه دائم ).) النهاية في الفتن و الملاحم (1/31 ).
فهذا المهدي ( محمد بن عبد الله ) المنتظر لم يخرج بعدُ ، و بخروجه يقوم الدين ، و يرتفع الحق ، و يخمد الباطل ، و تتبدد كل قوة علت من قوى الباطل .
و ليس ذلك ببعيد فإن كل ما هو آت قريب ، فصبر جميل و الله المستعان ، و عليه التكلان .
ساعات النصر
• اليأس و النصر
قال الله _ تعالى _ : [ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين من قبلكم مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ].
و قال الله _ تعالى _ : [ حتى إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء و لا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ] .
فهذه صورة يَحِلُّ فيها اليأس على قلب العبد ، و يُخَيِّم القنوط على نفوس الصالحين .
و إنها لصورة من أشد الصور ، و أخطرها على نفوس المسلمين .
فالنصر ينزل على العباد ( عند ضيق الحال و انتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه)(تفسير ابن كثير ( 2/497 ) . و انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ( 15/175 ))
و ( إنها لساعة رهيبة ، ترسم مبلغ الشدة و الكرب و الضيق في حياة الرسل ،و هم يواجهون الكفر و العمى و الإصرار و الجحود ، و تمرُّ الأيام و هم يدعون فلا يستجيب لهم إلا القليل ، و تكرُّ الأعوام و الباطل في قوته ، و كثرة أهله ، و المؤمنون في عُدَّتِهم القليلة ، و قوتهم الضئيلة )( في ظلال القرآن ( 4/2035 )).
و إنا _ و الله _ لنفرح بمثل هذه الساعة لا لذاتها _ معاذ الله _ و لكن لما فيها من بشائر النصر القريب ، و أمارات ظهور الفجر الواعد .
نعم ؛ إنها ساعة فيها ( يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلَّق بها الناس).
و سنة الله _ تعالى _ أن في مثل هذه الظروف _ التي يفقد المؤمنون فيها صبرهم ، و تتكالب عليهم الشدائد من كل حَدْبٍ و صوب ، و ينالهم من أهل الشر و الباطل كل أذى و سُخرية من ضعف قوتهم و هوانهم على الناس _ يلمح المؤمنون نور النصر يلوح ، و شمسه تشرق في تمام الوضوح ، فيزول عن القلب ما خَيَّمَ عليه من حُجُب و شوائب .
و غزوات النبي ( صلى الله عليه و سلم) فيها تبيان لهذا و إيضاح فاعتبرها .
• المظلوم و النصر
لقد حرَّم الله الظلم على نفسه ، و جعله بين عباده محرَّماً .
و الظلم شيمة من ابتلاه الله بالكبر و الغطرسة ، و ليس من شيم من اتصف بالمكارم العلية ، و الصفات الرفيعة .
و لهذا جاء ذمه في الكتاب و السنة ، و اتفقت كلمة العقلاء من المسلمين _ بل من غيرهم _ على انتقاصه و تحقيره .
و من هذا شأنه كان حريَّاً بأن يناله من الله عقاب لتقرَّ عين المظلوم بنكاية الله _ تعالى _ بالظالم ، و نكاله به .
فجعل الله دعوة المظلوم تسلك طريقها في السماء ، فلا يحجبها أحد ، و لا يردها رادٌّ .
و تكفل الله _ تعالى _ بأنه سينصرها و لو بعد حين _ و وَعْدُ الله حق ، و الله لا يخلف الميعاد _ .
فإلى كل مظلوم هذه البشارة العُظمى ، و المسرَّة الكبرى ؛ إن نصر الله _ تعالى _ لك قريب ممن ظلمك و أخذ حقك .
هذا كله في عموم الناس _ المسلم و الكافر _ ، فكيف إذا كان المظلوم أمة مسلمة لله _ تعالى _ ، و الظالم لها كافر لا يؤمن بالله رباً ، و لا بمحمد نبياً ، و لا بالإسلام ديناً ، لا شك _ و أقول إن الأمر غاية في اليقين _ أن نصر الله تعالى قريب جداً .
و هذه ساعة من أهم ساعات الانتصار و الغلبة أن يتمكن العدو من المسلمين ، و يتحزبون عليهم من كل جانب _ من فوقهم ، و من تحتهم ، و عن أيمانهم ، و عن شمائلهم _ .
قال الله _ تعالى _ : [ أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير ] .
فما على المؤمنين حال تلك الساعة إلا الجأر بالدعاء ، و الابتهال و التضرع بين يدي الله _ تعالى _ أن يُعجِّل بنصرهم ، و أن يَخْذِل عدوَّهم و يُحِلَّ عليهم غضبه و سخطه .
و موعود الله قريب للمظلوم ، و الويل للظالم من عقاب الله _ تعالى _ .
حُجُبُ النَّصْرِ
• حجاب الكفر
قال الله _ تعالى _ : [ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا و الآخرة و ما لهم من ناصرين ] .
و قال _ تعالى _ : [ فما استطاعوا من قيام و ما كانوا منتصرين ] .
و قال _ تعالى _ : [ قل للذين كفروا ستغلبون … ] .
و قال _ تعالى _ : [ أم يقولون نحن جميع منتصر ^ سيهزم الجمع و يولون الدبر ] .
هذه آيات أنزلها الله في كتابه قضى فيها أن الكفر لن يغلب الإسلام مهما كانت له من القوى ، و مهما ملك من العُدَد و العَدَد .
و لقد صدق الله _ تعالى _ وَعْدَه فنصر عبده ، و أعز جُنْدَه ، و هزم الأحزاب وَحْدَه .
فمهما قامت حروب و معارك بين المسلمين و الكفار فإن الغالب هم المسلمون ، و الهزيمة لاحقة بالكفار ؛ وعد صادق من الله _ تعالى _ .
إن الكفر إن حارب فهو يحارب وهو خِلْوٌ من الدين ، فراغ من أي غاية يصبو إليها إلا غاية يرى أن فيها منفعة له .
و أما المؤمنون فهم يحاربون نُصْرَةً لدين الله _ تعالى _ فلهم الغلبة _ لأنهم موعودون من الله _تعالى _ بنصر مبين على الكافرين المجرمين .
و أما الكافرون فإنهم سينفقون ما لديهم من أموال و رجال في حروب طاحنة مع المسلمين ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغْلَبُوْن على أيدي المسلمين .
و إن انتصر الكفار على المسلمين فهو نصر مؤقَّتٌ لا يدوم ؛ و هيهات له أن يدوم و الله قد كتب الغلبة لدينه و رسله و أوليائه الصالحين .
و الله _ تعالى _ لا يؤيد بنصره أُمة قامت على كفر به ، و صد عن سبيله .
• حجاب الظلم
قال الله _ تعالى _ : [ و ما للظالمين من أنصار ] .
و قال _ تعالى _ : [ و الظالمون مالهم من الله من ولي و لا نصير ] .
نعم ؛ إن الله لا ينصر الظالم على المظلوم بل اقتضت حكمته أنه ينصر المظلوم على الظالم _ مهما كان المظلوم و الظالم _ .
و ما أكثر الظلم في المسلمين ؛ و الذي بسببه حُرِمْنا النصر على أعدائنا .
و الظلم أنواع :
(1) الكفر و الشرك بالله _ تعالى _ : وهما من أهم أسباب منع النصر و التأييد من الله _ تعالى _ لنا ؛ فتجد شركاً في الأقوال ، و الأفعال ، و النيات .
و تجد كفراً بالله _ تعالى _ ظاهراً و كفراً باطناً .
(2) أكل أموال الناس بالباطل .
(3) منع ذوي الحقوق حقوقهم .
إلى صور كثيرة فيها الظلم الظاهر البيِّن الذي لا يخفى على من آتاه الله عينين مبصرتين .
فالظلم يمنع النصر كما في هذه الآيات و كما في حديث دعوة المظلوم و أنه ليس بينها و بين الله حجاب ، و الله _ تعالى _ قد وعد بأنه سينصرها و لو بعد حين .
فمتى طُهِّرَت الأمة من الظلم _ بجميع أنواعه و صوره _ فإن نصر الله آتٍ ، و وعده متحقق _ سواء في ذلك قرب الزمن أو بعده _ .
• حجاب النفاق
قال الله _ تعالى _ : [ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار و لن تجد لهم ولياً و لا نصيراً]
بيَّن الله _ تعالى _ في هذه الآية أن نصرَه محرومٌ منه كل منافق دخيل في صفوف المسلمين ، بل محروم منه كل من قرَّب المنافقين و أنالهم منه مكاناً مرموقاً ، و جاهاً رفيعاً .
إن النفاق ما وُجِدَ في قوم إلا أحلَّهم دار البوار ، و منعهم الخير و النصر .
و ما وُجِدَ المنافقون في أرض إلا مَكَّنُوا منها العدو على المسلمين ، و أذلُّوا الصالحين من عباد الله _ تعالى _ .
و كيف تطمع الأمة بنصرٍ من الله _ تعالى _ و للمنافقين عندها خير مقام ، و أعزَّ مكان .
فإذا ما طهُرَت الأرض ، و سَلِمَت الأمة من هؤلاء ( المتلونين ) استحقت النصر من الله _ تعالى _ على عدوها ، و كان لها الظفر بالعدو .
و ما مُنِعَ المسلمون النصر يوماً قط إلا بسبب ما كان منهم من تقريب لهؤلاء المنافقين ، و حبٍّ لهم ، و مجالسة معهم ، و تمام وُدٍّ لهم .
إن النفاق في هذه الأزمان قد طال ريشه بين المسلمين ، و دام مُقامُه بينهم ، و نال أهلُه من المسلمين كل ما يريدونه ، بل نال الصالحين المُبيِّنين حالهم و ضلالهم الأذى منهم و من أسيادهم .
و حين تلتفت الأمة إلى هؤلاء المجرمين و تبدأ بهم و تنكِّل بهم تنعم بعد ذلك بنصر من الله مؤزَّرٌ ، و بإيفاء الله _ تعالى _ وعده لهم .
خاتمة البوابة
في ختام الولوج من هذه البوابة العريقة …
و في نهاية المرور بها …
آمل أن أكون قد وُفِّقْتُ بوضع النقاط على حروفها
و أن أكون قد بعثت ما مات من آمالٍ كبار في نفوس قومي
و ما أريد أن أبرح هذا المقام أُخيَّ القاريء إلا وقد نلت منك _ بعد الله _ سَتْرَاً لعيب غير مُتَعَمَّدٍ ، و غَفْراً لزلة زللت بها
و آخر الكلام لي هنا : أن أسأل الله _ تعالى _ أن يُحيي ما مات من آمالنا ، و أن ينصر دينه و كتابه و سنة نبيِّه ( صلى الله عليه و سلم ) و عباده الله الصالحين .
تم ما أردت تبيانه من أحوال
بوابة النصر
وصلى الله و سلَّم على نبينا محمد و على آله و صحبه .
1/9/1422هـ
الرياض 11527
ص ب : 68298