مقدمة:
نحن نعيش في مجتمع متعدد الفئات ، بمعنى آخر متعدد القدرات ، فمنهم من يعتبر ذكياً و منهم من نعتبره موهوباً و منهم العبقري أو المبدع ، و كل تلك الصفات التي تمنح للفرد بحسب قدراته ، و نحن نعلم أن الإنسان سيطر على الجو ، و سخر الذرة ، و أخضع الطبيعة لإرادته بصور شتى . و لكن ما يعر فه عن ذكائه كان أقل مما يعرفه عن الطائرات و الذرات تلك التي استطاع أن يسيطر عليها و يسخرها .
إن الذكاء لا يمكن تعريفه بصورة دقيقة ، لأن ت تعريفه يختلف باختلاف الناس ، ولكن يمكن القول أنها الصفة التي يتصف بها الأذكياء ، و دراسة الذكاء لا تأتي من فراغ و إنما يمكن أن تأتي من خلال ملاحظات لأعمال الناس و تصرفاتهم ، و من هنا نبدأ بتكوين الفكرة الجيدة عن تلك الموهبة الهامة بالشخص الذكي .
و يجب الأخذ بعين الاعتبار أن للذكاء نسب و مقاييس يجب دراستها و لا يمكننا أن نحدد مقدار ذكاء شخص ما من المظاهر الخارجية و إنما يجب القيام بإجراء قياس واختبار ذكائه من أجل معرفة نسبة ذكائه و مقدارها ، و من خلال بحثي هذا سنرى الطرق التي استخدموها بعض الباحثين لقياس نسب الذكاء .
و بالإضافة التي ذلك يمكننا التعرف إلى الباحثين الذين قاموا بعمل اختبارات التي تدور حول الذكاء و الانتقادات التي وجهت لهم من بعض الباحثين الذين عارضوا الاختبار مع التفسير للمعارضة . و جدير بالذكر عن القدرات العقلية الأولية للعلماء النفسيين الأمريكيين التي تطرقت بها في بحثي بتفسير تلك القدرات العقلية التي يتكون منها الذكاء ، و علاقة الذكاء بالتعلم و التفكير ، فهناك من عرف الذكاء على أنه القدرة على تعلم التكيف بالبيئة لهذا بالنسبة للذكاء و التعلم أما بالنسبة للذكاء و التفكير فمنهم من عرفه أنه يؤكد عملية التفكير و ما ينطوي عليه من استدلال استقرائي و استدلال استنباطي .
إنني سأقوم بقدر الإمكان بجمع المعلومات التي يمكن أن تفي بذلك البحث و الله و لي التوفيق .
ما هو الذكاء
الذكاء هو ما يتصف به الأذكياء فالمعظم لديه فكرة ما عن المقصود بالقدرة العقلية أو الذكاء فكلما فكرت فيمن تعرف من الأشخاص المتصفين بالذكاء ، و كلما حددت الصفات التي تتأملها في هؤلاء الأفراد المحيطين بنا . ذلك لأن الذكاء أمر معنوي لا يمكننا أن نحسه أو نلمسه أو نراه ، فلا يمكننا أن نحسه أو نلمسه أو نراه ، فلا يمكنك مثلاً أن تفصل الذكاء جانباً و تنظر إليه ، و لا يمكنك أن تدرسه بوزنه ، أو بعمل قطاع فيه ، أو النظر إليه تحت الميكروسكوب ، و لكن من الممكن أن ندرس الذكاء عن طريق ملاحظتنا لأعمال الناس و تصرفاتهم ، و لهذا هو الذي يساعدنا على تكوين فكرة جيدة عن تلك الموهبة الهامة ، تأمل أولئك الأفراد الذين تعتبرهم من الأذكياء ، تجد بينهم ذلك الولد أو البنت الذي يظهر تفوقاً في العلوم المدرسية ، ولهذا يمكن أن تعتبر ذلك التفوق في العلوم المدرسية إحدى علاقات التفوق في العلوم المدرسية سببه الذكاء . و لكن لماذا نسلم بأن التفوق في العلوم المدرسية يتطلب الذكاء العالي ؟ و ما الذي يتطلبه الحصول على ذلك التقرير المدرسي السار الذي تفاخر به وتفرح ، المعروف أن تفوقك المدرسي يدل على أنه تستطيع أن تتعلم بسرعة و سهولة ، فإذا كان مدرسك في الرياضة يشرح المعادلات في الجبر فسوف تجد من السهل عليك متابعتها و فهم ما يقول ، و ستجد من الميسور عليك أيضا أن تتابع قراءة القصص باللغة الإنجليزية من غير صعوبة في الفهم ، و عندما يختبرك المدرس في اليوم التالي فسيمكنك أن تتذكر جيداً ما سبق أن قرأته منها ، كما أن تفوقك المدرسي قد يدل على أن لديك قدرة جيدة على التفكير المعنوي أو الجيد . أي أنك تجد سهولة في فهم الرموز و الأرقام كما أنك لن تجد صعوبة عندما توجه إليك أسئلة الامتحان لأنك تعرف معظم إجاباتها الصحيحة .
و بالإجمال يكون تفوقك المدرسي دليلاً على أنك تعرف علومك جيداً. نعم إن المثابرة و العمل المتواصل أن كثيراً و معظم الناس لا يستطيعون تحقيق النجاح من غير العمل المتواصل ، و لكن لا بد أن يتوفر لديك القدر اللازم من القدرات العقلية ، فلربما تذاكر ليلاً و نهاراً و مع ذلك لا تستطيع تحقيق القدر المطلوب من التحصيل .
قياس الذكاء
على الرغم من أن معلومات الإنسان عن قدراته العقلية تحفل بالكثير من الفجوات و التخمينات إلالبطاطس.طاع أن يبتدع اليوم الوسائل لقياس الذكاء و القدرات العقلية و لقياس الذكاء أهمية كبرى ، فهو يجعل من الممكن التنبؤ به أمامك من فرص النجاح في المدرسة أو الدراسة ، و هو قرينة نافعة ترشدك إلى نوع العمل الذي يناسبك أكثر من غيره .
وقد بدأت المحاولات القديمة للكشف عن أسرار الذكاء بقياس الرأس و وزن المخ كما توزن غرامات البطاطس . و لكن هذه المحاولات لم تكن لها أي قيمة تذكر إلا في بيان بعض الأمخاخ أنها أكبر من أمخاخ أخرى ، ولا ريب في أن الذكاء يختلف عن مجرد شيء يون كما توزن الأشياء المادية ، فالحوت ذو الرأس الضخم حيوان غبي ، في حين أن الببغاء الذي لا يزيد مخه عن حجم الخياط يبزه الذكاء .
و في عام 1905 استطاع اثنان من علماء النفس الفرنسيين هما (الفريد بينيه ) و (تيودور سيمون ) أن يبتدعا مقياساً للذكاء ، إذ قاما بوضع طائفة من اختبارات الذكاء لتحديد العمر العقلي للشخص عن طريق مقارنة أدائه في الاختبارات بأداء الآخرين .
و قد قام الأمريكيون فيما بعد بتعديل إ اختبارات (بينيه و سيمون ) كما ابتدعوا ما يسمى بنسبة الذكاء (ن.ذ) التي يقارن فيها العمر العقلي للفرد بعمره الزمني أو عمره الفعلي .
كذلك ابتدعوا آخرون من علماء النفس اختبارات جديدة بعضها يدل على مهارة فائقة ، و في أحدها يتم قياس ذكاء الطفل عن طريق مجرد رسمه لرجل .
و على الرغم من أن (توماس أديسون ) لم يكن من علماء النفس إلا أنه كان لديه اختباره الخاص لقياس ذكاء الشباب الذين كانوا يتقدمون للالتحاق بمختبره كان إديسون يدعوهم إلى تناول طعام العشاء ، و كان يلاحظ هل يضعون الملح إلى الطعام قبل تذوقه ، فإذا فعل المرشح ذلك رفض طلبه .
كان إديسون يشعر بأن الشاب الذي يريد أن يصبح عالماً ممتازاً لا بد أن يكون به فضول لاستطلاع العالم المحيط به ، و هذا يتطلب حب استطلاع مذاق طعامه ، و لم يكن المخترع العظيم يؤمن بأن من يتسرع في استخلاص النتائج دون استقصائها أولاً لا يمكن أن يكون ذكياً .
و من التطورات الحديثة في قياس الذكاء ، اكتشاف أن الذكاء العام يمكن أن ينقسم إلى عدد من القدرات العقلية النوعية – أي القدرات العقلية الأولية التي سبق وصفها ، و أن هذه القدرات يمكن قياس كل منها على حد ة، و أن معرفة نوع القدرة العقلية التي تملكها يمكن أن يعينك بوجه خاص عندما تريد اتخاذ قرار بشأن العمل الذي تختا ره .
نسب الذكاء
إن صيغة نسبة الذكاء بسيطة للغاية فالعمر العقلي للشخص يقسم على العمر الزمني ز يضرب الناتج في (100) و الذي يحدد العمر العقلي للشخص هو مستوى المشكلات التي يستطيع حلها ، فإذا كان جلال مثلاً يبلغ من العمر (12) عاماً أي أن عمره الزمني هو (11) و لكنه استطاع أن يحل نفس أنواع المشكلات التي يحلها الطفل العادي في سن (15) فإن عمره العقلي يكون (15) عاماً ، و بق سمة (15) على عمره الزمني (11) و ضرب الناتج في (100) نجد أن نسبة ذكاء جلال هي (136).
و نسبة الذكاء المتوسطة هي (100) و إن كنا عادة نعتبر أن مدى ما يتراوح بين (90-110 ) يمثل المتوسط نظراً لأن نسبة ذكاء نصف الناس تقريباً تقع بين هذين الرقمين .
أما الذكاء العام لدى الكبار فلا بد من تقديره بطريقة أخرى ، فالناس ينضجون عقليا ً كما ينضجون جسمياً ، و عندما يبلغ الشخص الخامسة عشرة من عمره يكون نم وه العقلي قد اكتمل تقريباً ، و هذا لا يعني أنه قد تعلم كل ما يستطيع تعلمه و إنما يعني أن استعداده للتعلم قد نما إلى أقصاه و من ثم فإن المعادلة التي ذكرت لا تستخدم و بدلاً منها يتم تصوير الذكاء للكبار بوجه عام عن طريق مقارنة درجات ا لفرد في الاختبار بدرجات نظرائه في العمر .
إلى كم يجب أ ن تصل نسب الذكاء حتى يعتبر الإنسان موهوباً ؟
إن الحظ هنا تعسفي ، و يقع بين (110-140) أو ربما أعلى من ذلك ، و من المؤكد أن نسبة الذكاء التي تبلغ (110) تعتبر عالية جداً ، و تضع صاحبها في الربع الأعلى لجماعة سنه من حيث القدرة العقلية ، و مع ذلك فإن معظم المربين يقولون أنك لكي تعتبر (موهوباً) لا بد أن تكون نسبة ذكائك (120) على الأقل ، و لهذا في نظرهم يجعلك في أعلى (10%) بل إن بعض العلماء ينزعون إلى مزيد من الانتقاء ، فالمدرسة الابتدائية الملحقة بكلية (هنتر ) بمدينة نيويورك و هي من المدارس القليلة الخاصة بالأطفال الموهوبين تشترط ألا تقل نسبة ذكاء التلميذ الذي يدخلها على (130) .
و عندما قام (ترمان) ببحثه المعروف عن الموهوبين قصره على الذين تزيد نسبة ذكائهم على (140) لأنه أراد الحصول على أعلى (1%) ، وقد ذكر أحد أساتذة جامعة (كولومبيا ) أن طفلاً واحداً من كل (100) طفل تصل نسبة ذكائه (160) أو أكثر ، و ثلاثة أطفال كل (100*000) تكون نسبة ذكائه (160) أو أكثر ، و ثلاثة أطفال في كل عشرة ملايين تصل نسبة ذكائهم إلى (182).
نظريات عن الذكاء :
يختلف الطلاب الموهوبون عن زملائهم من حيث مقدار ما يملكونه من الذكاء ، كما أنهم يختلفون عن بعض من حيث نوع الذكاء ، ولم يتفق علماء النفس على ما إ ذا كان الناس يولدون مزودين بأنواع متباينة من القدرة العقلية ، أم أن قدراتهم المختلفة تنمو عن طريق الخبرة .
و يذهب فريق من علماء النفس البريطانيين إلى أن القدرة العقلية عند الولادة تكون عامة ، فالطفل الذي يولد مزوداً بذكاء عادل قد يسهل عليه فيما بعد أن يصبح طبيباً بارعاً ، أو سياسياً ممتازاً ، أو شاعراً لامعاً ، أو مهندسا ً مبدعا ً ، أما التدريب و الخبرة فهما اللذان يحددان نموه الذهني .
و لكن معظم علماء النفس الأمريكيين يذهبون مذهباً آخر ، فهم يعتقدون أن الذكاء لا يمكن أن يكون صفة عامة لا تنقسم ، و إنما هو يتكون من عدد متنوع من القدرات المستقلة كالمهارات اللفظية و العددية و المكانية .
و على الرغم من هذا الاختلاف الأساسي في النظرتين يتفق الفريقان على أن الطالب عندما يصل في مرحلة التعليم الثانوي فإن قدراته تصبح متخصصة ، ولا يكون في وسعه وقت إذن أن ينجح في كل الأعمال بدرجة واحدة .
القدرات العقلية الأولية :
استطاع علماء النفس الأمريكيين و على رأسهم (ل . ثرستون )الذي يعتبر رائد تحليل العوامل المختلفة التي يتكون منها الذكاء ، أن يعزلوا المهارات الأساسية التي أسموها (القدرات العقلية الأولية ) و لعلك قد أجريت عليك بعض اختبارات هذه القدرات و رأيت بنفسك الرسم البياني لمهاراتك العقلية .
و إليك بعض القدرات الأساسية التي أمكن عزلها :
1- الفهم اللفظي .
أي القدرة على فهم الأفكار التي يعبر عنها بالألفاظ ، و هذه القدرات هامة في تعليمك لأنها ضرورية للقراءة و الاستماع .
2- الإدراك المكاني :
أي القدرة على التفكير في بعدين أو ثلاثة أبعاد و على تصور شكل الشيء عند إدارته و تبين العلاقة التي تنتظم بها مجموعة من الأشياء ، و أنت تستخدم هذه القدرة في حل الألغاز العملية و هي أساسية في أعمال الرسم الهندسي .
3- الاستدلال :
أي القدرة على حل المشكلات المنطقية و التنبؤ بالنتائج و رسم الخطط و التكيف للمواقف المتغيرة ، و تزداد أهمية هذه القدرة كلما تقدمت في الدراسة .
4- المهارة العددية :
أي القدرة على معالجة المشكلات العددية البسيطة بصورة تتميز بالسرعة و الدقة .
5- الطلاقة اللغوية :
أي سهولة الكتابة و الحديث و هذه القدرة توجد بدرجة عالية لدى الذين يستطيعون الكلام و الكتابة بسهولة و هي تختلف عن الفهم اللفظي من حيث أنها تتصل بسهولة استخدامك للألفاظ التي تعرفها ، في حين أن الفهم اللفظي يتضمن عدد من الكلمات التي تعرفها .
6- الذاكرة :
و هي القدرة على استرجاع الخبرات الماضية و استظهار المادة اللفظية و هذه القدرة تبدو بالغة الأهمية في بعض الأحيان و هي بلا شك ميزة كبر ى في كثير من الواقف .
7- السرعة الإدراكية :
و هي القدرة على تبيين أوجه الشبه و الاختلاف بسرعة ، و لقد كانت هذه القدرة ذات أهمية كبيرة لك عندما كنت تتعلم القراءة ، إذ مان عليك وقتئذ أن تتبين الفروق بين الحروف المختلفة .
إن الذكاء العالي يتكون من تشكيلات مختلفة من هذه الصفات و كثير من الصغار النابهين يكونون فوق المتوسط في جميع القدرات العقلية الأولية ، و لكن حظهم من بعضها يكون أعلى من حظهم في البعض الآخر ، و هذا الأمر كما سترى فيما بعد قد يكون مرشداً هاماً في ايجاد العمل الذي يناسبك أكثر من غيره .
ما الذي تبينه الاختبارات عن الذكاء العالي :
لقد قام علماء النفس بدراسة الأطفال ذوي الذكاء العالي و لا خطوا أنهم يملكون سمات عقلية مميزة ، و هناك ثلاث صفات معينة تعتبر دليلاً على العقل الممتاز هي :
أ- القدرة على التعميم ، أو بمعنى آخر القدرة على تبني العناصر المشتركة بين الأشياء و استخلاص النتائج القياسية .
ب- الابتكار أو الأصالة في وجهة النظر .
ج- الحكم النقدي .
و قد وجد علماء النفس أن ذوي الذكاء العالي يملكون أيضاً السمات الآتية :
- مجال انتباه أكثر اتساعا .
- حب استطلاع أكثر دواماً .
- مهارة لفظية و حصيلة لغوية ممتازة .
- سعة الحيلة .
- القدرة على النقد الذاتي .
- حماسة فوق المتوسط للأشياء بوجه عام .
- نظرة موضوعية تخلو من التحزب أو الشوائب الانفعالية .
- القدرة على التعلم بسرعة .
- القدرة على خزن ما يتعلم .
- القدرة على تنظيم المادة .
و هذا لا يعني بطبيعة الحال أن كل دوي القدرة العالية يملكون هذه الصفات بدرجات متساوية ، وعليك أن تقدر قدراتك الخاصة بعناية حتى تبين إلى أي حد تساعدك على تخطيط حياتك و تعليمك في المستقبل .
اختبارات بينية للذكاء :
قد قدر للعالم الفرنسي بينيه أن يصل بتطوره إلى غايته المرجوة بأبحاثه التي أجراها سنة (1896) على العمليات العقلية العليا ، و التي أدت به إلى إنشاء أول اختبار فردي لقياس الذكاء .
و قد مر الاختبار الذي ألفه بينيه (
Binet) و سيمون (simon) لقياس الذكاء بثلاث مراحل :
تبدأ الأولى في سنة (1990) و تبدأ الثانية سنة (1908) و تنتهي هذه المراحل في التعديل الذي أجراه و الذي ظهر سنة (1911) قبيل وفاة بينيه ، و تعتمد الفكرة الأساسية لهذا الاختبار على قياس العمليات العقلية العليا ، التي كان ينظر إليها بينيه على أنها عمليات تركيبية إبتكارية ذاتية النقد ، و هي بهذا المعنى تختلف عن العمليات العقلية الدنيا التي تتصف بأنها تحليلية استدعائية تعيد نفسها بطريقة آلية ، ولا تفسر عن الأعماق الصحيحة للنواحي الابتكارية .
لذا فهو يقيم ابتكاره على قياس عدد كبير من العمليات العقلية العليا ، لاعتقاده أن الذكاء عملية معقدة التكوين ، متعددة الجوانب و المظاهر ، و أن قياس هذا الذكاء يسير أغوار النشاط العقلي في أعماقه و امتداده الخصب ، كما يبدو في حياتنا اليومية .
و قد أعد بينيه اختباره ليقيس جميع الملكات أو المواهب أو العمليات العقلية العليا التي تخضع بسهولة للقياس والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بمستويات النمو العقلي للفرد، وهو بذلك يحقق الفكرة التي نادى بها ( جولتون) والتي تقرر ان خير طريقة لمعرفة قوة الفرد العقلية هي التي تقيس اغوار هذا العقل في نواحيه الاصلية التي تمثل نشاطه، ثم لتتحقق من صدق هذه العملية بمقارنة نتائجها بنتائج مقياس اخر دقيق لقوة هذا الفرد.
وهكذا انشأ بينيه اختبراً للذكاء سنة ( 1905) يتكون من عدد كبير من الاسئلة التي لم ترتب بالنسبة للعمليات العقلية التي تقيسها، وانما رتبت ترتيباً تدريجياً يدل على مستوى صعوبتها بحيث يصبح السؤال الأول اسهلها والسؤال الاخير اصعبها .
ثم طبق ذلك الاختبار على ( 59) طفلاً من العاديين وضعاف العقول والمتخلفين في دراساتهم الذين تمتد اعمارهم ن (3) سنوات الى (11) سنة ، ثم قارن اختباره بتقدريات المدرسين للذكاء. وحذف كل الاسئلة التي لا ترتبط ارتباطاً قوياً بالذكاء. وبذكلك اصبح عدد الاسئلة مساوياً لـ (30) سؤالاً ويصلح لقياس ذكاء ضعاف العقول وتلاميذ المرحلة الابتدائية، ولا يتستغرق وقتاً طويلاً، وهكذا يتحقق لهذا الإختبار الى حد كبير من العوامل الخارجية التي تشوب نتائج الاختبارات الطويلة التي تتأثر بالملل.
نقل اختبار بينيه:
تتلخص اهم الانتقادات التي تعرض لها اختبار بينيه في النواحي التالية :
1. لا يصلح إختبار بينيه لقياس ذكاء الأطفال الصغار أي ما قبل (3) سنوات وقد تصدى جيزل لعلاج هذه المشكلة وأنشأ مقياساً سماه نسبة النمو ويصلح مقياسا جيزل لقياس ذكاء الأطفال الذين تمتد اعمارهم من (4) اسابيع الى (60) اسبوعاً .
2. لا يصلح اختبار بينيه لقياس ذكاء الراشدين وقد حاول بعض الباحثين حساب نسب الذكاء لدى الراشدين على اساس ان الذكاء المتوسط يقف عند (15) سنة ، وهكذا يمكن حساب نسبة ذكاء البا لغين وذلك عن طريق تثبيت العمر العقلي عند (15) سنة. كما تدل على ذلك المعادلة التالية:
نسبة ذكاء الراشدين = العمر العقلي/15 X 100
قد يعاب على هذه الطريقة انها تنسب ذكاء الراشدين على جيل لا ينتمون هم إليه ولم تقتن معايير بينيه بالنسبة لهم .
ولذا أنشأ ويكسلر (Wechsler) اختبار ذكاء الراشدين بن واعلى له معياراً ، لا يعتمد على فكرة العمر العقلي وانما يعتمد على المعايير المستعرضة التي تنسب الفرد ولا تقارنه بالأعمال الزمنية اللاحقة او السابقة له .
هذا وقد بين وكسلر ان معامل ارتباط إ ختباره الحديد بإختبار بيينه يصل الى وبهذا يصبح اختبار ذكاء الراشدين صادقاً في قياسه لهذا الذكاء.
3. بما ان طريقة مقياس العمر العقلي تعتمد على تحويل الاسئلة الصحيحة الى شهور عقلية ، وبما ان الاختبار يحتوي على ستة اسئلة لكل سنة عقلية . إذا فكل سؤا يدل على شهرين عقليين مهما كانت السنة التي ينتمي اليها . وبذلك تصبح اسئلة الأعمار الصغرى مثل (7.6.5) سنوات مساوية لأسئلة الأعمار الكبرى مثل ، (12.11.10) وذلك بالرغم مت تدريج مستويات صعوبة الاختيار من الأعمال الكبرى أي ان الاجابة الصحيحة من أي عمر تحول دائماً الى شهرين.
وقد عالجت المعايير الحديثة هذه المشكلة وذلك بإعتمادها على المعايير المستعرضة التي لا تنسب الفرد الى الاجيال السابقة او اللاحقة لجيله.
4. كلما زاد عمر الفرد اقترب العمر القاعدي في نهاية الإختبار الذي ينتمي بالنسبة للفرد العادي عن (15) سنة، وبذلك تقل كفاءة هذا الإختبار تبعاً لزيادة عمر الطفل ومدى إقتراب هذا العمر من نهاية الاختبار.
5. من اهم الإعتراضات التي وجهت لإختبار بينه وللإختبارات الاخرى التي تعتمد على فكرة الأعمار العقلي انها جمعياً اختبارات للنمو العقلي واليست اختبارات ذكاء فما هو الفرق إذاً يبن النمو العقلي والذكاء؟
ولقد عالج بيشو( Pichot) هذه المشكلة بأن فرق بين ناحيتين رئيسيتين نلخصها فيما يلي :
أ. إذا كانت الفوق الفردية بين الأجيال المتتالية أكبر من الفروق الفردية بين أفراد جيل واحد يصبح الاختبار ، اختباراً للنمو العقلي وليس إختباراً للذكاء.
ب. إذا كانت الفروق الفردية بين افراد جيل ما، أكبر من الفروق الفردية وبين أفراد الأجيال المتتالية بطريقة تحليل التباين وهي طريقة احصائية لقياس الدلالة الإحصائية لفروق المتوسطات المختلفة وهكذا التضحت المشكلة واتضحت معها طريقة دراستها.
(الذكاء للدكتور فؤاد البهي السيد، ص114 سنة 1986).
المفهوم النفسي للذكاء:
تعددت مفاهيم الذكاء تبعاً لتعدد وظائفه وتباين دعائمه واتساع ميادينه وكثرة مكوناته ومقوماته، وبذلك يؤكد المفهوم الفلسفي شمول الذكاء لجيمع النواحي العقلية المعرفية واتصاله الوثيق بكل انواعها ومستوياتها. ويوضح المفهم البيولوجي اهمية الذكاء في عملية التكييف ويبين المفهوم الفسيولوجي أهمية المفهوم الإجتماعي الاتصال الوثيق بين الكفاح الإجتماعي ومستوى الذكاء، وبدل المفهوم الاجرائي على أهمية الوسائل التجريبية في التحديد الموضوعي لمعنى الذكاء.
الذكاء والتعلم:
أكد علماء النفس بعض هذه المفاهيم المختلفة للذكاء في المساجلة العلمية التي دارت بينهم في سنة (1921) ونشرتها تبعاً مجلة علم النفس التربوية ، وأضافوا اليها مفاهيم اخرى جديدة تدور حول تأكيد بعض العمليات والوظائف العقلية العليا، كالتعلم والتفكير.
وقد أحصى اوجد (Ogden) أهم هذه التعريفات وضفها الى انواعها الرئيسية فوجد أن أغلبها يؤكد عملية التعلم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ومن أمثلة ذلك تعريف (كولفين) للذكاء على انه القدرة على تعلم التكيف للبيئة وتعريف (Woodrow) للذكاء على انه القدرة على كسب الخبرات، وتعريف ( ثورنديك) للذكا ء على انه القدرة على الاستجابة الصحيحة بالنسبة للحقيقة القائمة وتعريف (أدواردز) للذكاء على انه القدرة على تغيير الأداء .
الذكاء والتفكير:
بين هرنج (J.P.Herring) بعد دراسة شاملة للتعريفات المختلفة، ان بعض مفاهيم الذكاء تؤكد عملي التفكير وما ينطوي عليه من استدلال استقرائي أو استنباطي. ومن أمثلة ذلك تعريف ثيرمان (Terman) للذكاء على انه القدرة على التفكير المجرد ، وتعريف سيبرمان (Spearman) للذكاء على انه القدرة على تجريد العلاقات والتعلقات أو بمعنى آخر الاستقراء والاستنباط، وتعريف بينية (Binet) للذكاء على انه القدرة على الفهم والإبتكاء والتوجيه الهادف للسلوك والنقد الذاتي . وتعريف ميومان (Meuman)، للذكاء على انه الاستعداد ال عام للتفكير الاستدلالي ، الابتكاري ، الإنتاجي.
الذكاء والتكامل الوظيفي
تدل تجارب لاشلي (K.S.Lashly) التشريحية التي اجراها على الفئان على ان الذكاء كنشاط عقلي لا يعتمد على النواحي الجزئية للجهاز العصبي وإنما يعتمد في جوهره على التكامل الكلي لهذا الجهاز العصبي وخاصة تكامل وظائف القشرة المخية، أي ان اجزاء المخ لا تعمل منفردة مستقلة عن بعضها بل تقوم بوظائفها في الإطار الكلي العام التجمعي لتنظيمها ولتناسقها، وهو بذلك يقرر ان الذكاء قدرة عامة ثابتة نسبياً عند الفرد ومتغير من فرد لآخر . وانه كلما نقص هذا التكامل الوظيفي نقص تبعاً بذلك الذكاء.
وتتلخص تجارب لاشلي في تدريب بعض الفئران على اجتياز المتاهات والقيام بمهارات مختلفة، وتسجيل نتائج لهذا النشاط. ثم إجراء عمليات تشريحية تهدف الى بتر أجزاء مختلفة من المخ، ثم اختيار لهذه الفئران بعذ ذلك وتدريبها ثانية لأداء مهارات سابقة.
وقد دلت نتائج لهذه التجارب على ان موضع الاجزاء المبتورة لا يؤثر في اداء المهارة، وإنما الذي يؤثر في نشاط لهذا الاداء سعة المساحة المبتورة أي ان التكامل الوظيفي هو المؤثر الجوهري على النشاط العقلي .
وقد يعاب على هذه التجربة تعميمها على مستوى الحيوان الى مستوى الانسان وتحديد معنى الذكاء في اطار تلك المهارات الحركية التي يقوم بها الكائن الحي.
ظهور اثر الذكاء في ميادين اخرى:
ما الرأي فيمن يعتبروا من الاذكياء ومع ذلك لا يتفوقون في عملهم الدراسي او المدرسي، ومن أمثال الشخص النبيه الذي لا يجاريه احد في حل الألغاز. والذي يتخير انسب الاوقات لعمل ما يريد . والذي يدرس الموقف كله من جميع نواحيه ثم يقرر بسرعة ما يراه بشأنه، والذي يحسن التفكير ويرسم خطته قبل الإقدام على ام ما، والذي يستطيع ان يغير في هذه الخطة . بحسب ما يستجد من الظروف.
مميزات الأشخاص الأذكياء فعلاً ؟
سامي الذي يعتبر خبيراً في اصلاح الراديو لدرجة انه استطاع ان ينشء محلاً شهيراً لأجهزة الراديو، انه لا يحصل على اعلى الدرجات في العلوم المدرسية . بل انه يعتبر من المتوسطين بصفة عامة، ولكنه يتفوق في النواحي التجارية العامة والمالية، ولهذه أمكنه ينجح في افتتاح محل الراديو وحصل منه فعا على ارباح ساعتدته على أحوال المعيشة. ومن المميزات التي يتصفون بها الأذكياء يمكن ان نلخصها بصفة عامة بالتالي:
1. متابعة لأمور وسهولة التعلم .
2. التعلم بسهولة وسرعة .
3. الفهم
4. القدرة على التذكر .
5. الوصول الى الحل الصحيح
6. التفكير السريع.
7. لمح الحل المناسب
8. التأمل في النواحي المعنوية
9. حل المسائل والمشكلات.
ولعلك تلاحظ ان هذه القدرات التي ذكرناها تساعدنا على السير بنجاح في هذه الحياة المعقدة، فالشخص الذي ينسجم في اليحاة ويحسن التكييف مع البيئة التي يعيش فيها هو الذي يتعلم بسرعة ويحل المشكلات بسهولة، ويفهم ويتذكر ويتصرف تصرفاً مناسباً في المواقف الجديدة.
وإذا فالقدرة العقلية في أوسع معانيها تعني القدر على التكيف في الحياة ومن الممكن القول بأن الذكاء هو القدرة على الاستفادة من مواقف الحياة الماضية في مواجهة المواقف الجديدة .
(قدراتك العقلية، لورين بوثلت، ص28، 1962)
المصادر والمراجع:
1.( كيف تستثمر ذكائك، للدكتور سبنسراليل، مكتبة النهضة المصرية، 1962)
2. ( قدراتك العقلية، للدكتور لورين بوثلت، مكتبة النهضة المصرية، 1962)
3. ( الذكاء ، للدكتور فؤاد البهي السيد، دار المعارف، الطبعة ـ 1986ـ)
الخاتمة:
عندما بدأت بحث هذا كنت اتساءل هل يمكنني ان اجد معلومات كافية لها علاقة بالذكاء وهل يمكنني ان اجيب على اسئلتي التي كانت تدوفي في ذهني ، على سبيل المثال : هل هناك علاقة للذكاء بنجاح الطالب في حياته العلمية او العملية وهل هناك مقياس معين للذكاء، وما هو الذكاء، هل له تعريف خاص. وهل تتشابه نسبة الذكاء من فرد الى فرد . والى كم يجب ان تصل نسب الذكاء حتى يعتبر الانسان موهوباً او مبدعاً او عبقرياً او متفوقا والى اخره. وهل قام بعض الباحثين باجراء تجارب على قدرات العقلية لنسب الذكاء، وهل هناك نظريات لها علاقة بالذكاء وما الذي تبنيه الاختبارات عن الذكاء العالي، وهل هناك نقاد ينتقدون تلك الاختبارات، وما مدى نجاح تلك الاختبارات او فشلها، وهل يمكن ان يظهر الذكاء في ميادين عديدة لدى الفرد، وما الذي يميز الانسان الذكي عن غيره.
كل تلك الأسئلة كانت تدور في ذهني دائماً وأتيحت لي الفرصة من خلال بحثي هذا الاجابة عن تلك الاسئلة والفضل يعود اليكِ ايها الدكتورة الفضيلة. واتمنى ان ينال إعجابك وان تستمتعي عند قراءتك له من ناحية ومن ناحية اخرى اكون قد اجبت من خلاله على اسئلتي تلك.