بعد إعادة الرسوم الدنماركية حدثني أستاذ جامعي ثمانيني فاضل تنقل بين جامعات الغرب فقال ما معناه: (يا بني هذه بشرى خير، كنا قبل أربعين عاماً نعاني تجاهلاً متعمداً، لدرجة تمنينا أن يتناول أحد ديننا بكلمة عل القوم يقرأونه، واليوم ها أنت ترى المسلمين يسابقون الزمن في ترجمة كتب الإسلام إلى لغاتهم).
ذات يوم كان محمد صلى الله عليه و سلم وصاحبه الصديق مختبئين داخل كهف على أحد جبال مكة، وبعد أقل من قرن من إشراقهما من ذلك الغار كانت جيوشهما ترفرف على بعد خمسين ميلاً من باريس غرباً، وعلى القسطنطينية شمالاً، والنوبة جنوباً والصين شرقاً.
وقبل مائة عام من الآن كنت لا تكاد ترى ذرة من تراب العرب والمسلمين ليس فوقها جندي غربي ضمن حملة استعمارية وحشية لا تعرف الرحمة. أما اليوم فيصرخ الفاتيكان: أوقفوا أسلمة أوروبا، فتقاريرهم تشير أن أوروبا العجوز سيكون نصف احفادها مسلمين بعد أربعين عاماً.. هكذا دون أن يتحرك جندي مسلم واحد نحو أوروبا..
الإسلام اليوم وبنخبه الثقافية الدعوية المسالمة للغاية، ودون أسلحة وجيوش يلامس الشغاف ويخطف العقول والأرواح، والغرب المتقدم مادياً يقبل على الإسلام.. فلاسفته.. أطباؤه.. فلكيوه.. فنانوه ولاعبوه يسلمون، والتائهون يجدون أنفسهم بين أحضانه، حتى أن دولة صغيرة مثل بلجيكا من المفترض ان تكون اكثر تحصناً ثقافياً من غيرها تعلن أن أكثر الأسماء تداولاً فيها اليوم هو اسم محمد.
كان سيد قطب الإسلامي يتوقع انهياراً للشيوعية في الشرق، وبروز قيادة إسلامية توجه مادية الغرب نحو الإنسان، وذلك بعد أن أصيب سيد قطب العلماني بخيبة أمل جعلته يكتب يوماً من أمريكا لصديقه قائلاً: (أكتب لك من ورشة العالم)! صدقت توقعاته بانهيار الشيوعية رغم أنه كتبها في أوج قوة الاتحاد السوفياتي وأوج موجة الإلحاد التي اجتاحت عقول بعض الكتاب العرب كالعظم والقصيمي لكن توقعات قطب أخفقت تجاه الغرب، فالغرب حر، ولذا بدأ باعتناقه، فهذا الدين لا يحتاج إلى قيادة سياسية أو عسكرية لينتشر في العالم الحر.
مرة أخرى يكشف الإسلام أنه معجز ومذهل وأنه ليس بحاجة إلى قيادة ولا حتى إلى مجاهدين للوصول.. الإسلام ليس ديناً شرقياً ولا غربياً ولا يمكن نسبته إلى ثقافة معينة أو عرق معين.. الإسلام لمن يعشقه ويريده، لا لمن يكتفي بالفخر بماضي أجداده معه، والقرآن يعلمنا أن التولي عنه يضرنا ولا يضره فيقول (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) آية تذكرنا أن أطول دولة إسلامية عمراً هي دولة نشأت على أرض أوروبا والروم لا العرب، والتي نسميها مجازاً (التركية)، وعاصمتها القسطنطينية هي عاصمة المسيحية الأولى لا روما، وآسيا الصغرى حضن الفلسفة والفلاسفة، فلا داعي لإطلاق عبارات الويل والثبور كلما دشنت محطة رخيصة، أو ظهر برنامج يروج للتفاهة، أو هاج أوغاد مأجورون شتماً للقرآن والسنة. الإسلام ينتشر من قبل أناس مسالمين رغم تلك الصور النمطية في الإعلام الغربي المسيس، ذلك الإعلام الذي ظل قبل 11سبتمبر يصور العرب والمسلمين مجرد أثرياء مغفلين ينثرون أموالهم بين أقدام البغايا وعلى طاولات القمار، وبعد 11سبتمبر استبدلها بصورة الشاب المتمنطق بحزام ناسف. انشغل الغرب بترويج الصور الكريهة بينما كان المسالمون يسحرون الغرب بإسلامهم وحسن جوارهم وأخلاقهم وحوارهم المتحضر، فلم لا نترك المسالمين وشأنهم.. لم لا نتركهم وإبداعهم وننشغل بالبحث عما يجمعنا نحن المسلمين لا ما يفرقنا.
بقلم محمد الصوياني
لا تخشوا على هذا الدين ؟
العرض العادي
