عمر توريجوس
يقول المؤلف: انه بينما كان ما يزال يخدم في فيلق السلام في الاكوادور سنة ،1968 تغيّر مجرى تاريخ بنما على حين غرّة، حيث أطاح انقلاب عسكري بالرئيس ارنولفو أرياس آخر دكتاتور في تلك السلسلة، وحل محله الرئيس عمر توريجوس رغم انه لم يشارك في الانقلاب بفاعلية.
ويتحدث المؤلف عن الرئيس عمر توريجوس، فيقول انه كان يحظى بالاحترام والشعبية في اوساط الطبقات الوسطى والدنيا. وكان هو نفسه قد نشأ في ريف مدينة سانتياجو حيث كان والداه يدرّسان فيها.
وارتقى بسرعة اثناء خدمته في الحرس الوطني وهو وحدة الجيش الأولية في بنما، والمؤسسة التي كانت تحظى بتأييد الفقراء. وكان مشهوراً عن توريجوس انه يستمع لمطالب المعدمين، وكان يتجول في شوارع مدن الصفيح التي تؤويهم، ويعقد اجتماعاته في أحياء الفقراء التي لم يكن الساسة يجرؤون على دخولها، ويساعد العاطلين في الحصول على عمل، وكثيراً ما كان يجود بموارده المالية المحدودة للعائلات التي اصابها المرض أو حلت بها مآسٍ.
ويتابع المؤلف حديثه عن تجربته في بنما، قائلاً ان رئيسها عمر توريجوس جاء بعد سلسلة من الحكام الطغاة الذين كانوا دُمى تحركها الحكومة الامريكية، التي عينتهم قبل خمسين سنة حين استولت على البلاد. وكان عمر توريجوس اول من يشذ عن القاعدة، فقد كان رئيساً يتمتع بشعبية فائقة. وكان محبوباً جداً في معظم انحاء العالم. وكان كثير من الناس يعتقدون انه كان ينبغي ان يفوز بجائزة نوبل للسلام، وكان لا بد ان يحدث ذلك لولا انه مات أو قُتل. فقد كان يحمي المستضعفين في كل مكان، وكانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت، بزعامة الرئيس جيمي كارتر تفاوض توريجوس على معاهدة جديدة للقناة. وقد أنجرت معاهدة القناة في آخر المطاف، ولكنها أثارت قدراً هائلاً من الاضطراب في بلادنا. فقد أجازها الكونجرس بأغلبية صوت واحد فقط فاز بالتصديق على معاهدة القناة. وهكذا كنا نحن السفاحين الاقتصاديين نتطلع الى ما وراء تلك العملية، أو كيف نستطيع ان نفوز ببنما بصرف النظر عما حدث
لاتفاقية القناة.
لقد كنت هناك قبل توقيع المعاهدة سنة ،1972 وكنت أحاول تطويع توريجوس. كنت احاول اصطياده. كنت أحاول الإيقاع به مثلما فعلنا مع غيره في كل مكان. وقد رتّب لقائي به في منزل خاص مكون من طابق واحد، ودار بيننا حديث مطوّل. ولكن أهم ما قاله لي هو: انظر، إنني اعرف اللعبة التي تلعبونها.. واعرف ماذا تحاولون ان تفعلوا هنا. انكم تحاولون تحميلنا ديونا باهظة.. انكم تحاولون جعلنا معتمدين عليكم تماما، وانتم تحاولون افسادي. اني اعرف هذه اللعبة ولن العبها. لست بحاجة الى المال، ولا اتطلع الى تكوين ثروة شخصية من ذلك. اني أريد مساعدة شعبي الفقير. وأريد منكم ان تبنوا المشاريع التي يفترض ان تقيموها، والتي تقيمونها في الدول الاخرى، ولكني اريدكم ان تقيموها من أجل الفقراء من شعبنا، لا من أجل الاثرياء منه. وقال: اذا فعلتم ذلك فسأنظر في منحكم ومنح شركتكم المزيد من العمل في هذه البلاد، العمل الذي يخدم شعبنا.
كنت في موقف متناقض ازاء ما قاله. فقد كان يفترض بي كسفاح اقتصادي ان اوقعه تحت سيطرتنا. كان يفترض بي ان اوقعه في الشرك. ولكني كشريك في هذه الشركة وكرئيس اقتصادي لها، كنت أريد ايضا العمل للشركة، وفي هذه الحالة، كان واضحا ان السفاحين الاقتصاديين لن ينالوا توريجوس، ولذلك جاريته وسرت معه. ولكني في ذلك الوقت كنت اشعر بقلق عميق، لأني كنت اعلم ان هذا النظام قائم على افتراض ان الزعماء مثل توريجوس قابلون للافساد وانهم كذلك في معظمهم في كل مكان في العالم. وعندما يصمد احدهم في وجه النظام ويتحداه كما كان يفعل توريجوس، لم يكن ذلك يعني تهديدا لنا في بلاده بنما فقط، بأننا لن نشق طريقنا هناك، بل قد ينظر الى الأمر كمثال سيىء تحتذيه بقية دول العالم، ولم يكن هو الوحيد الذي يتحدى في ذلك الوقت، بل كان هنالك زعيم آخر، هو رئيس الاكوادور جيمي رولدوس. كانا كلاهما يقفان في وجه الحكومة الامريكية. وكانا يقفان في وجه شركاء النفط والسفاحين الاقتصاديين، وكان ذلك يثير بالغ القلق لدي. كنت اعلم في اعماق قلبي انه اذا استمر ذلك، فسوف يحدث شيء ما. وقد حدث بالطبع. فقد تم اغتيال هذين الرجلين على ايدي من نسميهم “ابناء آوى”، وهم السفاحون المرخصون من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية.
__________________