لم يكن ينقص الرئيس جورج بوش الابن سوى أن يختتم تاريخه السياسي بـ«قندرة» عراقية مقاس 44 متبوعة بعبارة: (هذي تحية الوداع ياكلب), وتعتبر القنادر (الكنادر باللهجة السعودية) من أسلحة الدمار الشامل في العراق وأحد أهم وسائل التعبير عن الرأي، ومثلما ودعت القندرة العراقية جورج بوش فإنها أيضا كانت وسيلة لتوديع صدام حسين مع وجود فارق مهم وهو أن القندرة العراقية اتجهت إلى بوش بشحمه ولحمه أثناء وجوده في سدة الحكم بينما في حالة صدام حسين فإنها بالكاد اتجهت إلى تمثاله وصورته بعد أن تأكد الجميع من سقوط نظامه الدموي.
وبعد مرور عدة سنوات على الاحتلال الأمريكي الظالم للعراق أجرت وكالات الأنباء العالمية حوارات مع الرجل الذي كان يضرب صورة صدام بالقندرة يوم سقوط بغداد فقال إنه لو كان يعرف ما سيفعله الأمريكيون ببلاده لما فعل فعلته تلك، وصدام نفسه كان كثيرا ما يستخدم مصطلح القندرة لإدارة حواراته مع الآخرين ولعلنا نتذكر ما قاله للقاضي في تلك المحاكمة الهزلية: (أي حكم بالإعدام على قندرتي) ويروي خصومه أنه حين كان يتحكم برقاب العراقيين كان يردد باعتزاز: (هذا الشعب كان حافي وأنا لبسته القندرة).
وقد حاولت سلطة الاحتلال بعد إسقاط نظام صدام حسين صناعة نظام ديمقراطي لتبرير جرائمها بحق الشعب العراقي ولكنها لم تستطع أن تتخلص من القندرة العراقية، فرئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني لم يعجبه مشروع قانون تقدمت به مجموعة من النواب فقال لهم تحت قبة البرلمان: (أي قانون يتعارض مع الشريعة أضربه بالقندرة), وحين دخل إياد علاوي -أول رئيس حكومة منتخبة بعد سقوط نظام صدام- مدينة النجف استقبله أهالي المدينة بالقنادر.
وقد بدأ استخدام مصطلح القندرة في القاموس السياسي العراقي مع بدايات ظهور الدولة العراقية فقد أطلق العراقيون في مظاهراتهم قبل ستة عقود هوسة (أرجوزة) ضد نوري السعيد وصالح جبر اللذين تناوبا على رئاسة الحكومة تقول كلماتها: (نوري السعيد القندرة00 وصالح جبر قيطانه) والقيطان هي رباط الحذاء، ولو دققنا في هذه (الهوسة) لوجدنا أنها مليئة بالخبث والطرافة فالعلاقة بين نوري السعيد وصالح جبر لم تكن قائمة على الصراع السياسي كما هي الحال بين أي رئيسي وزارة يتنافسان على الحكم بل كان الثاني دمية بيد الأول.
ولأن التاريخ يعيد نفسه دائما فإن قندرة نوري السعيد جاءت بعد توقيع الحكومة العراقية اتفاقية بورتسموت مع المحتل البريطاني عام 1948 بينما جاءت قندرة منتظر الزيدي بعد توقيع الحكومة العراقية على الاتفاقية الأمنية مع المحتل الامريكي عام 2008, واليوم لوعرضت قندرة الزيدي في المزاد العلني لوصلت إلى سعر خيالي لأنها تعد من أشهر الرسائل السياسية في التاريخ الحديث ، أما الزيدي الذي اصبح اليوم واحدا من اشهر الصحفيين في العالم بفضل قندرته فإننا لانملك إلا التعاطف معه بعد أن داسه رجال الأمن العراقيون بالقنادر.
بقلم خلف الحربي