قال هشام بن الكلبي والهيثم بن عدي : ان ناسا من بني حنيفة خرجوا يتنزهون الى جبل لهم فرأى فتى منهم في طريقه جارية , فرمقها فقال لأصحابه : لا أنصرف والله حتى ارسل اليها واخبرها بحبي لها .
فطلبوا اليه ان يكف عن ذلكم فأبى ان يكف , وأقبل يراسل الجارية , وتمكن حبها من قلبه فأنصرف أصحابه , وأقام الفتى في ذلك الجبل , فمضى اليها ليلة متقلدا سيفا وهي بين أخوين لها نائمة , فأيقظها فقالت : الموت والله أهون مما أنا فيه , ولكن ان أعطيتيني يدك حتى أضعها على قلبي انصرفت
فأعطته يدها , فوضعها على قلبه وصدره وانصرف .
فلما كانت الليلة الثانية أتاها وهي على مثل تلك الحال فأيقظها , فقالت له مثل مقالها الأول : فقال : لك والله أن امكنتني من شفتيك أرشفها أن أنصرف . فأمكنته فرشفها ساعة ثم انصرف , فوقع في قلبها من حبه مثل الذي كان بقلبه منها وفشا خبرهما في الحي , فقال أهل الجارية : ما مقام هذا الفاسق في هذا الجبل ؟ امضوا بنا اليه حتى نخرجه منه . فبعثت اليه الجارية آخر النهار : ان القوم سيأتوك الليلة فاحذر على نفسك . فلما أمسى قعد على مرقب ومعه قوسه وسهمه , ووقع في بعض الليل مطر فاشتغلوا عنه , فلما كان في آخر الليل وانقشع السحاب وطلع القمر , اشتاقت اليه الجارية , فخرجت تريده , ومعها صاحبة لها من الحي كانت تثق بها , فنظر الفتى اليهما فظن أنهما ممن يطلبه , فرمى فما أخطأ قلب الجارية , فوقعت ميتة وصاحت الأخرى ورجعت .
فانحدر الفتى من الجبل فاذا الجارية ميتة , فقالت :
نعب الغراب بما كرهت ...... ولا ازالة للقدر
تبكي وأنت قتلتها فاصبر...... والا فانتحر
ثم وجأ بمشاقصه أوداجه حتى مات , فجاء أهل المرأة فوجدوهما ميتين
فدفنوهما في قبر واحد ...
المشقص : سهم عريض النصل .
تقبلوا تحياتي