في إطار مراجعتها أعمال العنف والأفكار المتشددة من النظم الحاكمة
أصدرت الجماعة الإسلامية بيانًا عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
بمناسبة ذكري ثورة يوليو كتبه قيادي الجماعة ناجح إبراهيم بعنوان
الرئيس عبدالناصر في فكر داعية الذي قال فيه إن ناصر له كإنسان له
إيجابياته وسلبيته إلا أنه استطاع من خلال جهوده الحثيثة تحرير القرار
الوطني المصري واستقلاله بحيث يكون نابعًا من الإرادة المصرية الخالصة
ويصب مطلقا في مصلحة مصر كما تصورها عبد الناصر وقتئذ، وأضاف أن
عبدالناصر عمل علي إقامة العدل الاجتماعي بين الناس وانحاز للطبقات
الفقيرة وحاول إنصافهم ورفع شأنهم وتعليم أولادهم بالمجان فهو حاول
إقامة العدل الاجتماعي حسب المفهوم الذي اقتنع بأنه الأفضل والأحسن. وقال إبراهيم إن مما يحسب للجماعة الإسلامية بعد مراجعتها الفكرية أنها
تخلصت من أسر نظرية المؤامرة في تفسير وتحليل الأحداث التاريخية ولذا
كان لزامًا علينا النظر والتفكير من جديد في أمر الرئيس عبد الناصر
ودراسة تاريخه مع الإخوان دراسة عميقة بعيدًا عن نظرية المؤامرة التي
شاعت في الحركة الإسلامية طويلا ً.
وقال: إن السجن أتاح له ولقيادات الجماعة الإسلامية مقابلة عدد كبير من
صناع الأحداث في مصر من الإسلاميين وغيرهم الذين عاشوا فترة
الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وقال إنه استمع منهم مباشرة ودون
وسطاء عن حقيقة الأحداث والشخصيات وتفاعلها مع بعضها وأنه تبين له أن
الرئيس عبد الناصر لم تكن له خصومة مع الإخوان من قبل بل إنه حل كل
الأحزاب والتنظيمات السياسية وأعاد جماعة الإخوان لمشروعيتها القانونية
وبهذا أعطاها قبلة الحياة من جديد بعد سنوات عصيبة ومع ذلك فقد حاول
النظام الخاص وهو الجناح العسكري للإخوان بمحاولة قتل عبدالناصر في
حادث المنشية الشهير وذلك دون استئذان من المستشار حسن الهضيبي مرشد
الجماعة آنذاك الذي يصفه بأنه ” كان يكره العنف وكان علي خلاف مستحكم
مع أجنحة كثيرة في النظام الخاص”.
وقال إبراهيم إن كل ما يقال عن أن حادث المنشية تمثيلية يعد انطلاقا من
نظرية المؤامرة التي نسبت إلي الحكومات والمخابرات المصرية أيضا قتل
الذهبي وقتل السادات وأحداث الفنية العسكرية وغيرها.
وأضاف أن تنظيم سيد قطب للإطاحة بنظام عبد الناصر تنظيم مسلح
حقيقي..وقد أقر بذلك الشهيد سيد قطب وتلاميذه في أكثر من مناسبة.. ولكن
التنظيم ضبط في أولي مراحل تكوينه وتسليحه.. ولكن المشير عامر والمباحث
الجنائية العسكرية ضخموا من خطره ليوهموا عبد الناصر بأنهم حماته
الحقيقيين.. وليكتسبوا مزيدًا من ثقته.
وقال إبراهيم أنه مر بثلاث مراحل في علاقته ومشاعره تجاه الرئيس جمال
عبد الناصر الأولي كانت الإعجاب الشديد بالرئيس عبد الناصر والحب
الشديد له حتي إنه مشي في جنازته وهو طالب في الثانوية بينما زال
الإعجاب عند انتمائه للحركة الإسلامية وذلك بعدما سمع من دعاة وعلماء
الإخوان ما صنعه عبد الناصر بالإخوان خاصة والإسلاميين عامة.
والمرحلة الثالثة والتي يصفها بمرحلة الدراسة الشاملة والتبصر العميق
داخل السجن والتي تعرف فيها علي إيجابيات ناصر بعيدًا عن الثقافة غير
الموضوعية السائدة في المجتمع
…………………………………………………………………..
كشف خليفة عطوة المتهم السادس في محاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد
الناصر عن أسرار محاولة اغتيال “الإخوان المسلمين” للرئيس الأسبق في
عام 1954 فيما تعرف تاريخيا بـ “حادثة المنشية”، بدعم من محمد نجيب،
أول رئيس لمصر بعد الإطاحة بالحكم الملكي، بعد أن تعرض للعزل في ذلك
العام بقرار من مجلس قيادة الثورة.
وروى قصة انضمامه لجماعة “الإخوان” في فترة الأربعينيات
عندما كان يحضر دروس الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة، التي كان يلقيها في
قريته، مضيفا أنه في إحدى المرات، وكان ذلك في العام 1940 جلس طويلا
أمامه يناقشه ويحاوره وهو في عمر 7 سنوات، فأعجب به وضمه إلى فريق
الكشافة التابع لـ “الإخوان”.
وأوضح أنه في تلك السن المبكرة انضم إلى الجماعة التي كانت ترفع وقتها
شعار: “الله أكبر الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا”، وأنه
في معسكراتها “تعلمت الرماية، وتم اختياري للتدريب تحت قيادة الصاغ
صلاح الدين أبو شادي، وكانوا يعلموننا مبدأ كل ما تقع عليه يدك فهو ملك
لك”.
وقال إن أول ظهور للتنظيم السري للإخوان كان عام 1944، حيث بدأنا تكوين
مجموعة الخلايا العنقودية المسلحة وكل خلية مكونة من زعيم وأربع أفراد،
وكل خلية لا تعرف الأخرى، وبدأنا بالعمل المسلح باغتيال أحمد ماهر باشا
عن طريق محمود العيسوي، ثم قام عبد المجيد أحمد حسن، باغتيال محمود
فهمي النقراشي عام 1946، وفي عام 1947 تم اغتيال المستشار أحمد
الخازندار رئيس محكمة استئناف القاهرة.
لكن ووفق رواية عطوة، حدث تغير في فكر التنظيم السري للإخوان بعد قيام
اللواء صالح حرب شقيق طلعت حرب بإنشاء جمعية الشبان المسلمين، ونجح في
استقطاب الشباب المتحمس وقتها للعمل ضد القوات البريطانية في معسكراتها
بمنطقة القناة.
وكشف عن اتصالات سرية تمت بين “الإخوان” ومحمد نجيب، عندما طلب منهم
الأخير أن يساعدوه في التخلص من عبد الناصر بعد توقيع اتفاقية الجلاء
عام 1954 ومكافئته “الإخوان” الدخول في الحكومة بمشاركة الأحزاب الأخرى.
وتابع عطوة: “إثر ذلك، صدرت تعليمات بتنفيذ مهمة عاجلة وتم تقديم
مجموعة انتحارية تتكون من محمود عبد اللطيف وهنداوي سيد أحمد الدوير
ومحمد علي النصيري، حيث كان مخططا أن يرتدي حزاما ناسفا يحتضن عبد
الناصر وينسفه إذا فشل محمود عبد اللطيف في الضرب، وأنا وأنور حافظ على
المنصة بصفتنا من حراس الثورة، ونقوم بتوجيه محمود عبد اللطيف والإشارة
له بتنفيذ خطة اغتيال عبد الناصر”.
وأوضح أنه هو من أعطى شارة البدء لمحمود عبد اللطيف ببدء الهجوم، عندما
كان عبد الناصر يخطب في المنشية بالإسكندرية، في يوم 22 أكتوبر 1954،
لكن المحاولة أخطأت هدفها، حيث مرت أول رصاصة، من تحت إبط عبد الناصر،
واخترقت الجاكيت العسكري الواسع الذي كان يرتديه، واصطدمت بقلم حبري في
جيبه ونجا منها بمعجزة، بينما مرت الرصاصة الثانية بجواره من بين كتفي
جمال سالم وعبد الحكيم عامر، واستقرت في رأس الميرغني حمزة زعيم
الطائفة الختمية بالسودان وأحد ضيوف الحفل ليلقى مصرعه في الحال.
وتابع، قائلا: في ذلك الوقت حدث شيء غريب حيث اندفع جمال عبد الناصر
إلى سور المبنى للإمام بدلا من أن يختبئ، وصرخ فيهم ليبقى كل في مكانه،
وهنا وبطريقة عفوية واستجابة لا شعورية لهذه الشجاعة وجدت نفسي احتضن
عبد الناصر وأنا وأنور حافظ شريكنا في الخطة وأخذت ألوح لمحمود عبد
اللطيف أن يتوقف عن الضرب، وكان يتسلق وقتها تمثال سعد زغلول الموجه
لشرفة مبني بورصة القطن.
لكنه – والكلام له- واصل إطلاق النار حيث أطلق رصاصة أصابت كتف أحمد
بدر سكرتير هيئة التحرير في الإسكندرية فأدت إلى وفاته، وأطلق بقية
الرصاصات في النجف والصيني الموجود في السقف وأمام المنصة، بعدها نزل
عبد الناصر وتوجه ونحن برفقته إلى جامعة الإسكندرية لكي يواصل خطبته.
في هذا الأثناء، تم القبض على عطوة وزميله أنور بواسطة البوليس الحربي،
واستطرد: “عرفنا أن هنداوي دوير المشرف على العملية عندما علم بفشل خطة
اغتيال ناصر ذهب بخبث شديد كشاهد ملك إلى قسم باب شرق الإسكندرية وأبلغ
عنا وتم تقديمنا للمحاكمة العسكرية وحكم علينا بالإعدام 17 نوفمبر من
نفس العام”.
لكن تم تخفيف العقوبة عنهما بعد أيام من صدور الأحكام في القضية، حيث
يقول “بعد 15 يوما من السجن أبلغونا أن عبد الناصر أصدر قرارا بتخفيف
العقوبة إلى 25 سنة”، وأضاف “بعدما أخبرونا بتخفيف العقوبة أخذوني أنا
وأنور وفي أيدينا الحديد من السجن داخل سيارة جيب فوجئنا بوقوفها أمام
مبنى قيادة الثورة”.
ووفق رواية عطوة، “دخلنا المبنى وسرنا في ممر طويل ووقفنا أمام غرفة،
وأمرنا الضابط المرافق لنا أن ننتظر قليلا أمام الغرفة ثم أمرنا بدخول
غرفة شبه مظلمة ويوجد بها منضدة حولها كراسي ومكتب في احد الأركان عليه
أباجورة ضوءها خافت، ولم يكن هناك بها سوى بها شخص يرتدي الزي العسكري
يتفحص عشرات الصور أمامه، ولا ينظر إلينا، ونحن واقفين أمامه”.
وقال إنهما ظلا على هذه الحالة لأكتر من 10 دقائق من الانتظار “إلى أن
اكتشفنا أن الضابط الجالس على المكتب هو جمال عبد الناصر بعدم رفع رأسه
وأخذ ينظر إلى الصور، ويسألنا هل أنت فلان وأنت فلان هل كنتما فعلا
مكلفان باغتيالي. لقد قرأت أقوالكم في محاضر التحقيق وجلسات المحكمة”.
وأشار إلى أنه خلال حديثه معهما سألها عن الدوافع الحقيقة للاشتراك في
عملية اغتياله، “فأجبنا بصوت مرتعش: يا فندم فهمونا إنك خائن بتوقعيك
معاهدة الجلاء”، وقال إنه ظل يستمع إليهما في صبر وسكون حتى النهاية،
وعندما انتهيا بدأ في الكلام وحوله دوافعه وتكتيكه من وراء توقيع
الاتفاقية، وبعد لحظات أمر بإحضار عشاء لهما، وكان عبارة عن سندوتشات
فول وطعمية.
وأوضح “تناولنا العشاء ونحن نرتعش من الذهول أمر ناصر الضابط بأن
يأخذنا وسارت بنا السيارة في شوارع القاهرة، وكنا نظن أننا عائدين
للسجن الحربي، لكن وجدنا أنفسنا في محطة قطارات الزقازيق، وصاح فينا
الضابط: انزل إنت وهو لقد أصدر الرئيس جمال عبد الناصر أوامره بالإفراج
عنكم”.
وفي اليوم التالي خرجت الصحف لتحكي قصتهما وخبر الإفراج عنها، وكيف
تحولا من مشاركين في محاولة اغتيال عبد الناصر إلى حماة له وتصديا
لرصاصات زميلهما محمود عبد اللطيف.
لكنها لم يكن اللقاء الأخير لهما مع عبد الناصر، ففي يوم ظهور نتيجة
البكالوريوس الخاصة بهما فوجئا بسيارة “بوكس” تقف أمام منزليهما
لتأخذهما إلى مقر مجلس الثورة بالجزيرة ودخلا الغرفة نفسها التي دخلاها
في المرة الأولى، حيث وجدا عبد الناصر الذي هنأهما بالنجاح ودق الجرس،
وجاء علي صبري سكرتيره وطلب منه أن يعملا معه في السكرتارية الخاصة
بالرئيس.