في السنتين الأخيرتين، على الأقل، لم تبق شاردة ولا واردة إعلامية إلا وذكرت بالتفصيل أو أشارت باقتضاب إلى حال أغلب الجمعيات الخيرية في المملكة، من حيث مداخيلها ومصاريفها وتقصيرها والعاملون عليها، إلى آخره من شؤون هذه الجمعيات التي يديرها ويتحكم بمفاتيحها من يسمون أنفسهم محتسبون. وقد قلنا كثيرا وطويلا إن العمل الخيري لا يكفي فيه الاحتساب، بل لا بد أن يخضع لعقول تفكر وتخطط وتدبر حتى يأخذ هذا العمل مسارات علمية وعملية حقيقية يستخدم فيها القلم والمسطرة.
والآن، بعد أن طالت شكوى الناس من هذه الجمعيات وشح مصروفاتها ورداءة أدائها، هل سيستمع لنا أحد، أم أن عمك سيظل (أصمخ) كما كان عبر السنوات الماضية.؟! من المهم والملح أن تكون دفاتر هذه الجمعيات عند محاسبين قانونيين خارجيين يدققون حساباتها وينشرون في نهاية كل عام ماذا كسبت وماذا وزعت وماذا صرفت بالذات على (العاملين عليها)، الذين يدخل بعضهم إلى الجمعية نحيفا ويخرج سمينا!! وقد تكون سمنته هذه من حقه، لكن من حقنا نحن كأفراد في المجتمع أن نفهم أسباب هذه السمنة الواضحة لنطمئن على أن أموال التبرعات والزكوات تذهب في طريقها الصحيح.
نحن، حاشا لله، لا نخون أحدا ولا نشكك في ذمة أحد. كل ما هنالك أن عالم اليوم لا تسيره النوايا الطيبة أو المظاهر الحسنة، وإنما تسيره الطرق والأساليب العلمية التي تحفظ حقوق الآخرين وتحفظ الحق العام، الذي لا يجوز التصرف فيه إلا بعلم الناس وعبر وسائل نشر وإعلان معروفة، وبدلا من أن يترك منسوبو الجمعيات الخيرية وجمعيات رعاية المعوقين الناس يفسرون الأمور على هواهم، أو من خلال انطباعاتهم، فإن بإمكانهم أن يضعوا الدفاتر المقرة قانونيا أمامنا ويقولون هذه مداخيلنا وهذه مصاريفنا وهذه رواتبنا ومخصصاتنا ومكافآتنا.
ووقتها لن يكون لأحد حجة عليهم إلا إذا وجدنا خطأ أو تجاوزا أو ذمة مخرومة هنا أو هناك. والذمم المخرومة، بالمناسبة، إن وجدت في هذه الجمعيات فهي ليست حكرا عليها. هناك ذمم مخرومة في كثير من الأماكن، ولذلك أنشأت الدولة (نزاهة) لتخلص الوطن والمجتمع من هذه الذمم، إذ لو لم يكن هناك، من الباب البشري، توقع بوجود فساد ما أنشئت هذه الهيئة من الأصل. أليس كذلك؟.
محمد العصيمي
عكاظ