لسنا وحدنا من يهمه استقرار هذا البلد

قلت ذات مرة في هذه الجريدة، إن هذا الوطن لم يأت رخيصاً هكذا، ولم نخرج فجأة نحن أو آباؤنا لنجده بطرقه وشوارعه ومدارسه ومنشآته ومؤسساته، كما هو شأن الكثير من بلاد الدنيا. ما زال الكثير من الأحياء يتذكر بداية نشأة هذا البلد وتأسيسه، بل وتجميعه بقبائله ومناطقه ومدنه وقراه تحت مظلة واحدة، وما زالت الأغلبية تسترجع بدايات التنمية، والحالة التي كانت عليها البلاد قبل أربعين أو خمسين عاما، التي هي لا شيء في عمر الدول والشعوب. لا نبالغ اذا قلنا إن توحيد هذه البلاد يعد واحدا من أكبر إنجازات العصر الحديث، اذ هو الاساس في كل ما تبعه ويتبعه من تطوير وتحديث، ولولا ذلك الأساس، لما وصل المتابع ما وصل اليه.
هذه مقدمة لابد من تأكيدها واسترجاعها، ووطنا يمر بمرحلة خطيرة نتيجة ما حدث في أحد الأجزاء الغالية والمكونات الرئيسة لهذا البلد، وهي منطقة الاحساء التي عرفت وعرف أهلها بالطيبة والتسامح والبساطة والانفتاح. من حقنا أن نختلف مع بعضنا البعض في البيت الواحد، أو في الشارع الواحد، أو في الحي الواحد، أو المدينة الواحدة، أو بين مدينة وأخرى، ولكن أن يصل ذلك الاختلاف إلى حد الجنون، فان ذلك أمر مرفوض بكل المقاييس والمعايير، وما حدث في الاحساء ليس إلا جنون يجب علينا جميعا الوقوف ضده ونبذه ورفضه، ورفض ومحاربة من قام به ومن يقف وراءه، اذ إن أمن واستقرار هذا البلد يعتبر خطا أحمر لا يجب أن يسمح لأحد بتجاوزه مهما كان وأينما كان.
علينا أن نقر، كما قلت في البداية، ونتذكر أن مؤسس هذا البلد ومن كان معه من الآباء والأجداد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل توحيده وتجميع شتاته. وقد كان للاختلافات المناطقية والقبلية بل والمذهبية دور في صعوبة التأسيس، بل وصعوبة ما تلاه من بناء وتطوير. وهذا الأمر يجب أن يكون حاضرا ونحن نقرأ ذلك الحدث وتلك الجريمة التي لم يكتو بنارها أهل الاحساء فقط، بل كان الأثر والتأثر واضحين في كافة مناطق المملكة وبين أبناء المملكة، والتي ان كان للفواجع وجه ايجابي، فإن ردة فعلهم وتكاتفهم ورفضهم لما حدث يعتبر هو الوجه الايجابي لما حدث. لقد كان رد فعل أبناء وبنات الوطن وتجاوبهم بالرفض لما حدث دلالة أكيدة على تماسك مواطني هذا البلد وتقديرهم لما يحاك ضدهم وضد وطنهم.
ان الدول المتحضرة التي تنظر وتتطلع دائما للمستقبل مستفيدة من ماضيها وحاضرها، هي تلك التي لا تقف عند ما يمر بها من أحداث موقف الشاجب والمستنكر، بل عليها أن تقوم بقراءة ما يمر بها من أحداث وفق سياقاتها ودلالاتها، وما قد تفضي إليه في المستقبل، اذا لم تتم المعالجة الجذرية لبواعث ما حدث ويحدث. وأول ما يجب العناية به والتأكيد عليه هنا أن مثل هذه الأحداث مرفوضة وغير مقبولة، ليس من الجهات الأمنية فقط، أو من مدينة دون أخرى أو من مذهب دون آخر، بل إنها مرفوضة من الجميع حكومة ومواطنين ومقيمين.
بل ان الأمر يتطلب ليس رفض من يقوم بمثل هذه الأمور، لكن من يحرض ويشجع على مثل هذه الامور هو محل استنكار وعدم قبول، ما يتطلب علينا الاستعجال في إصدار أنظمة وقوانين تجرم كل أشكال تشجيع النعرات والخلافات سواء مذهبية كانت، أو مناطقية، أو قبلية، علينا أن نصدر أنظمة أكثر صرامة ووضوحا تضمن وحدة الوطن وتعاقب من يعمل خلاف ذلك سواء بالقول أو الكتابة أو الفعل المباشر أو غير المباشر.
الأمر الآخر، الذي لا يقل أهمية عن محاربة الساعين إلى زعزعة المجتمع واستقراره، هو الاقرار أن العدو الأول للمفسدين والمخربين وأولئك الذين يصطادون في الماء العكر، هو التنمية والاهتمام بما تقدمه من خدمات وبرامج ومشروعات يحتاجها المواطن وتحقق تطلعاته وتلامس رغباته. علينا أن نهتم ونواصل بناء البلد وتطويره بما يضمن توفير المزيد في كل ما يحتاجه المواطن من خدمات في الاسكان والتعليم والصحة والمواصلات وغيرها. سنجد بذلك أن المواطن الذي يمكن استغلاله من هذا الجانب سيكون أكثر ولاء وأكثر انتماء وأكثر رفضا لجنون أولئك المتطرفين المفسدين حينما يكون في وطن يعتني به ويهتم من أجله ويسعى إلى خدمته وتوفير كل ما يحتاجه من أسباب وأساليب العيش، أيا كان موقع ذلك المواطن وأيا كانت بداية اسمه أو نهايته. وهذه التنمية تتطلب محاربة الفساد بكل اشكاله، والتي في مقدمتها الفساد الاداري حيث توظيف الصحب والأقارب وابناء المنطقة أو العشيرة، بما يقود ذلك إلى فساد مالي هو عدو التنمية الصحيحة المتوازنة وخصمها اللدود.
علينا أن نزيد الهمة والحماس في بناء وطننا كي نقطع الطريق على كل متربص وحاسد في الداخل والخارج. علينا أن نؤكد للجميع أن هذا البلد قام، كما تؤكد قيادته دائما، بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بجهود ابنائه المؤسس منهم والباني والمطور. وأن هذا البلد بخيراته التي استفاد منها الاف العاملين من مختلف بقاع الأرض، وباحتضانه لأطهر بقعة على وجه الأرض، لم يعد استقراره وتطوره وبقاؤه أمرا يخص ابناءه وحدهم، بل هو أمر يهم كل المخلصين والمدركين والصادقين في كل بقاع الأرض متى أحسنا إيصال الرسالة..
حمى الله بلدنا وموطنينا ورجال أمننا من كل مكروه.

د. محمد الكثيري
عكاظ

اخوى الفارس
يعطيك العاااااااافيه