مهما كانت أعداد ومسببات مشكلة البطالة الحالية فهي ستصبح هامشية بالمقارنة مع تلك المتوقعة مستقبلا إن لم يحصل تغيير جذري جوهري في الأنماط والتخصصات التعليمية السائدة في العالم العربي، فغالب العرب لازالوا يعملون في وظائف البيروقراطية والروتين الحكومي المتضخم جدا في العالم العربي، لكن منظومة تحرير الاسواق والسوق الحر تلزم الدول بخصخصة مرافقها لكي تدار بمنظور الربحية وليس بمنظور الرعاية الاجتماعية الحكومية، بالإضافة لأن الحكومة الإلكترونية باتت واقعا حقيقيا في دول خليجية مجاورة حيث يتم استبدال مئات بل آلاف موظفي الروتين الحكومي ببرنامج حاسوبي وضغطة زر، مما يعني أن أكبر مشغل في العالم العربي عاجلا أم آجلا سيضطر لصرف العديد من موظفيه وسيجد الخريجون أنفسهم مجبرين على وظائف القطاع الخاص وليس أي نوع من الوظائف إنما هي الوظائف التي تتطلب التفكير الخلاق والتي لا يمكن للحاسوب وبرامجه وآلاته أن يقوم بها، خاصة وأنه حتى القطاع الخاص يتجه لأن يتكون من شركات عملاقة تستحوذ بالكامل على الأسواق المحلية والعالمية ليس فقط بسبب السياسات الاحتكارية إنما لأنها ببساطة تمتلك الموارد المهولة التي بات يتطلبها الإنتاج في العصر الحالي، حيث بات الإنتاج يتطلب ميزانيات هائلة تصرف على الأبحاث ومثلها على الإعلانات والتسويق والعلاقات العامة، والمهن التي تتطلب عملا روتينيا كعمل المصانع ستبقى خلال الفترة المنظورة محصورة في الدول الأشد فقرا حيث يمكن للشركات أن توفر تكلفة الإنتاج بنقل مصانعها إلى حيث توجد اليد العاملة الرخيصة وتحديدا شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، ولهذا بالنسبة للعرب مهن المستقبل ستنحصر في البرمجة الحاسوبية وإنتاج المعرفة والثقافة والتعليم والأبحاث العلمية والطب والتصميم الهندسي والقطاع الخدمي.. والسياسات التعليمية الحكومية يجب أن تكون مساعدة على تحقيق هذه النقلة النوعية بشكل سلس.
بشرى فيصل السباعي
عكاظ