ما دار في ذهني أثناء انعقاد القمة الخليجية في الرياض هو كيف ستتحول دول الخليج الست إلى الرهان على قوتها البشرية بعد أن راهنت كثيرا على ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز.؟! الثروة البشرية، كما هو معروف لا تنضب، بعكس الثروة الطبيعية التي مهما طال بقاؤها فهي ناضبة لا محالة. بل يمكن أن تبور أو ترخص، حتى لو لم تنضب، لأنه لم يعد هناك حاجة لها أو طلب عليها، لوجود بدائل أو وجود فائض منها باعتبارها سلعة تخضع للعرض والطلب.
دول الخليج، عدا بعض الجزئيات والاستثناءات القليلة، لم تستثمر في قواها البشرية كما يفترض أن تفعل في سنوات الرخاء الطويلة التي مرت بها. واختارت، بدلا من ذلك، أن تستعين وتتكل باستمرار على قوى بشرية خارجية في كل مجالات حياتها وتنميتها وأعمالها. وكانت النتيجة أن أغلبها يعاني من بطالة أبنائه الذين شحت الوظائف الحكومية أمامهم وتمنع القطاع الخاص عن قبولهم نظرا لتواضع تأهيلهم ومحدودية قدراتهم على تلبية متطلبات واستحقاقات وظائفه التخصصية والابتكارية.
الآن هذه الدول تواجه انخفاض أسعار النفط الحاد وستواجه، تبعا لذلك، وضعا اقتصاديا صعبا سيؤثر حتما في مشاريعها التنموية وفي معيشة مواطنيها. وإذا أضيف إلى ذلك أعباء الحروب والمقاربات الدولية المكلفة فسيزداد الوضع صعوبة وستنشأ تحديات كبيرة من المحتمل أن تعطل مسارات التنمية بالكامل. ولذلك لا بد لهذه الدول أن تعيد رسم إستراتيجياتها الوطنية التنموية على أساس التخلص من الاسترخاء والثقة بثروتها الطبيعية والمراهنة على بناء قوتها البشرية القادرة على الابتكار والإنتاج والتأثير الحقيقي في مسارات التنمية والناتج المحلي لكل دولة.
وهذا كما هو معروف في كثير من الدول (النمور الآسيوية على سبيل المثال) يحدث ببناء المشاريع التنموية والصناعية الإستراتيجية المستدامة ورفع مستوى تعليم وتأهيل المواطنين الذين تستهدفهم وظائف هذه المشاريع التي تولد، بدورها، مشاريع جديدة تخلق مزيدا من الإمكانيات وفرص التنافس في الأسواق الإقليمية والدولية. وبغير إستراتيجية من هذا النوع، أي إستراتيجة بناء المواطن المؤهل المنتج، ستفوت دول الخليج على نفسها مرة أخرى فهم درس التنمية الثابت والمجرب وهو أن أي ثروة طبيعية ناضبة، بينما الثروة البشرية هي الباقية وهي الرهان الحقيقي لاستدامة التنمية والرخاء
محمد العصيمي
عكاظ
الخليج و رهان المواطنين
العرض العادي
