في خضم الأحداث والتطورات الأمنية والسياسية والعسكرية تبرز الحاجة الكبيرة والملحّة لترسيخ وتبني(اللحمة الوطنية) منهجاً وأسلوباً في تعاملاتنا ومواقفنا وتصرفاتنا حيال كل ما يجري حوالينا. هذه اللحمة، وفي ظل الحاجة الماسة لها تحدث عنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في خطابه الأخير في مجلس الشورى في بداية أعمال السنة الرابعة للمجلس من دورته السادسة مشيرا، حفظه الله، إلى أننا مجتمع مسلم يجمعنا الاعتصام بحبل الله والتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. (اللحمة الوطنية) بهذا المفهوم، ومن هذه المرتكزات لا يساورنا شك في أنها مطلب أساسي فيما نقوله أو نفعله سعياً وراء أفضل النتائج وأدومها.
المملكة بتركيبتها السكانية والاجتماعية والقبلية والجغرافية ينضوي تحت لوائها الملايين من المواطنين الذين تعددت أماكن ومناطق عيشهم وانتماءاتهم القبلية. هذه حقيقة فرضت نفسها ولا ضير في ذلك، ولكن ما الذي يكفل لنا التعايش والعمل سوياً ونبذ كل الفروقات والانتماءات. إنها (اللحمة الوطنية). فكل المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات ولا يمكن التفريق بين هذا وذاك كونه من أهالي منطقة معينة أو ينتمي لقبيلة ما. الملك سلمان أكد في كلمته " أهمية الوحدة ونبذ كل أسباب الانقسام وشق الصف والمساس باللحمة الوطنية، فالمواطنون سواء أمام الحقوق والالتزامات والواجبات".
لو ألقينا نظرة متأملة على كلمة خادم الحرمين الشريفين في الشورى لوجدنا أن مفهوم (اللحمة الوطنية) فيها يلامس الكثير من الموضوعات التي تم الحديث عنها. فحين تحدث الملك عن تحدي المخاطر والحفاظ على الأمن الذي تفضل الله به على هذه البلاد جاء التأكيد على ضرورة استشعار المواطن للمسؤولية في هذا الشأن والذي وصفه خادم الحرمين الشريفين بأنه "رجل الأمن الأول وعضد لقيادته وحكومته في دحر الحاقدين والطامعين ". هنا ندرك إدراكاً كاملاً أن أي تعصب لانتماءات مناطقية أو قبلية من شأنه أن يقف عائقاً أمام ترجمة تطلعات القيادة نحو بلد آمن.
في جوانب أخرى تبقى (اللحمة الوطنية) حاضرة أمام ما يمكن أن تقدمه الدولة لمواطنيها وهي لا يمكن أن تطور الأداء سواء في البنية التحتية أو في قطاعات ذات التصاق بحياة المواطن مثل التعليم والصحة والإسكان دون أن يكون المواطن قد أدرك الأهمية ومارس العمل لتحقيق تلك اللحمة. خادم الحرمين الشريفين في حديثه عن ما تقوم به الدولة من جهود لخدمة المواطن أكد أن هناك حرصاً واهتاماً لتوفير كل ما فيه سعادة هذا المواطن، ولكن كما يقال (اليد الواحدة لا تصفق) ونجاح جهود الدولة مرهون بإسهامات المواطن وقيامه بما هو مطلوب منه بكل تفان وإخلاص بعيداً عن كل نظرة قاصرة تفرق ولا تجمع وتفت في عضد ما تحرص عليه (لحمتنا الوطنية).
ولعلي أختم بما ختم به الملك سلمان كلمته في الشورى حين وضع النقاط على الحروف بقوله:"إن دولتكم حريصة على الارتقاء بأداء أجهزتها بما يلبي تطلعات، وآمال مواطنيها في المجالات كافة، وهي تدرك أن أمامها العديد من التحديات إلاَّ أنها عاقدة العزم -بإذن الله- على تجاوزها، وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها" ومع هذا الحرص من القيادة تزداد مسؤولية المواطن.
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهزاع
جريدة الرياض