الإنسان مفطور إلى الاتجاه إلى قوي:
بالمناسبة أيها الأخوة، طبيعة النفس تقتضي أنها لا تتجه إلا لما توقن أنه يعلم، ويسمع، ويرى.
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
( سورة غافر )
الله عز وجل إن تكلمت فهو يسمع، وإن تحركت فهو يرى، وإن أضمرت
فهو يعلم، يسمعك إذا دعوته، ويراك إذا توجهت إليه، ويعلم سرك وجهرك، وفضلا ًعن ذلك الإنسان
لا يتجه إلى جهة إلا إذا أيقن أنها تسمعه، وأنها قادرة على أن تلبيه.
الإنسان بحاجه إلى مبلغ فلا يذهب إلى إنسان فقير، لأن هذا مضيعة للوقت،
يذهب إلى من يتوهم عنده المبلغ.
إذاً: أنت تدعو من ؟ تدعو من يسمعك، وتدعو من هو قادر على حل مشكلتك، وتدعو
من يحبك، القوي الذي يعاديك لا تتجه إليه، تتجه إلى قوي يريد أن يرحمك، فلمجرد
أن تدعو الله عز وجل ـ دقق ـ لمجرد أن تدعو الله عز وجل فأنت مؤمن بوجوده،
ومؤمن بسمعه وبصره وعلمه، ومؤمن بقدرته ومؤمن برحمته.
لذلك قال تعالى:
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ
( سورة الفرقان الآية: 77 )
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ:
وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
قَالَ:
(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ))
[ الترمذي ]
في رواية أخرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ))
[ الترمذي ]
الدعاء هو العبادة، فلمجرد أن تدعو الله من أعماق قلبك، وأنت موقن بأنه يعلم،
ويسمع، ويرى، وهو قادر على أن يلبّيك، وهو يحب أن يلبيك، يحبك ويرحمك، فأنت مؤمن.
لذلك بعض الأسماء أحياناً أقرب إلى الإنسان من بعض الأسماء الأخرى، أنت إنسان ضعيف مفتقر:
إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً
شديد الجذع، حريص على ما في يديه:
وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا
ضعفك وهلعك، وشدة خوفك، وحرصك على ما في يديك، هذه الصفات
التي هي صفات ضعف في أصل خلقك هي لصالحك.
وهذا الاسم العظيم من أقرب الأسماء إلى الإنسان، فأنت ضعيف وهو قدير،
أنت فقير وهو غني، أنت لا تعلم وهو يعلم، يا رب أنا لا أعلم، لكنك تعلم، أنا ضعيف،
لكنك قوي، أنا فقير، ولكنك غني، والإنسان المؤمن يقوى بمن يعبده، فأنت ضعيف، لكنك مع القوي.
أيها الإخوة الكرام، معية الله لها نوعان: معية عامة، فهو معكم أينما كنتم،
ومعية خاصة معية المؤمنين، فهو معكم بعلمه، لكنه الله مع المؤمنين، معهم ناصراً
وحافظاً، ومؤيداً وموفقاً، إذا قال الله عز وجل:
وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
( سورة الأنفال )
أي معهم بحفظه وتأييده، ونصره وتوفيقه.
والحمد لله رب العالمين