الملك المربي

بقلم يوسف الكويليت



النجاح والتخلف في مسائل التنمية تحكمهما عوامل كثيرة أهمها الاستقرار، واتخاذ القرارات الواقعية التي تنظر الحاضر وتستشرف المستقبل، وبهذه الصور المشاهدة من عالم اليوم نجد بلداناً محدودة الإمكانات استطاعت أن تسجل نجاحاً أذهل دول محيطها والعالم، وأخرى غنية يمكن أن تدخل تعداد الدول التي تجعلها ضمن الارقام الكبيرة، لكنها دمرت نفسها حين غلب طابع النزاعات السياسية والفئوية، وغيرهما على خلق الفرص واستغلال الإمكانات..
الملك عبدالله أراد بمدرسته الحديثة أن يخلق من موارد الثروة الواحدة مضموناً لتنمية دائمة، أي أن المداخيل من النفط تتحول إلى طاقة إنتاج لشريحة كبيرة من المواطنين الذين جاؤوا على قائمة همومه وأولوياته، وكان هذا الباعث الطريق إلى استراتيجية التعليم بمستوياتها المختلفة، وهذا الاستثمار البشري، قيمة غير ناضبة يشبه أي طاقة متجددة، وقد تزامن بناء المدن الصناعية والمنشآت الكبيرة في الجامعات ومراكز البحوث والاهتمام بالقطاع، مع البنى الهائلة التي لا يحركها إلا قابليات بشرية متطورة، وعلى نفس الكفاءة والتماثل مع الدول المتقدمة..

لقد رأينا الملك عبدالله يتابع الطلبة في الداخل والخارج يتابع همومهم وقضاياهم ويقرأ ويسمع عن تطلعاتهم، والحوافز التي يريدون الوصول إليها، وتحقيقها، وهذه الطبقة من المجتمع، هي المطور لأدوات الإنتاج والابتكار وملء الوظائف الاختصاصية والتنفيذية، وبالتالي هم وسيلة الاستمرار، وعندما يقع الاهتمام الدائم بهم، فإن النجاح الذي سجلته دول آسيا، وبعض الدول في أمريكا الجنوبية، خضع لصياغة تجارب انبثقت من عمق التجربة المحلية، مع الاستعانة بالآخرين ممن قطعوا مسافات الألف ميل، والمملكة تريد أن تؤصل تجربتها لكن بدون انقطاع عن الآخر، ومصادر طاقاته العلمية والبشرية..

ما بعد أحداث 11سبتمبر دخلنا إشكالاً جديداً مع الابتعاث الخارجي عندما تم تصنيف المواطن في قائمة الإرهابيين، غير أن ما جرى، لاحقاً، حين جاءت المملكة على لائحة الأهداف للقاعدة، تغيرت نسبياً، تلك الأحكام التي أعاقت اتجاه طلبتنا للدراسة في الخارج. غير أن الملك عبدالله، استطاع بلقاءاته وزياراته، أن يغير تلك الصور، وأن يفتح أبواباً جديدة لتبادل البعثات مع سنغافورة، وماليزيا واستراليا إلى جانب دول أوروبية وكندا، مع التجاور مع أمريكا باعتبارها البيئة الأكبر في احتضان آلاف الخريجين من جامعاتها..

هذا الجهد لم يأت اعتباطاً، إذ ما ربطناه بجملة السياسات التربوية وتوسيع مجالاتها، فإن الحصيلة خلال السنوات القادمة، ستفوق ما قبلها، وهذه المرة سنجد الاختصاصات النادرة، والمتفوقة علمياً وتقنياً، أحد مصادر التنمية الهائلة، وهي خطى لن نصل إليها إلا بوضع الخطط ومتابعتها..

قيمة الملك عبدالله أنه رجل المنشأة العامة فقد رأى العالم يختزل الوقت بنتاج هائل من البرمجيات والحواسيب، وتقنية المعلومات التي تحولت إلى سلع استراتيجية في اقتصاد المعرفة، وحتى نقف على نفس الخط، ونسد الفجوة التي تفصلنا عن هذا العالم المتنوع القدرات والمنجزات، لا بد من طريق يوصلنا إلى الخطوة الأولى، والتي أرادها الملك عبدالله قفزة للمسافات الطويلة..