بعد كارثة 67المفجعة تلبستنا حالة الإحباط، والتفتت، والوجع، وانفتح الجرح في دواخلنا كما البركان. كنا ننزف ذلاً، وانكساراً، وألماً أسطورياً. وأيقنا أننا جيل الهزيمة. والعار، والخيبات. وأن الأحلام التي كنا نعيشها، والآمال التي تطوف في أفكارنا ما هي إلا كذبة كبرى سوّقها الإعلام الثوري، وتنظيرات العسكر الذين وصلوا إلى كراسي السلطة من الثكنة العسكرية على ظهر دبابة. وهم لا يحملون إلا الخواء، والتخلف، والجهل، وشهوة السلطة، واستعباد الإنسان.
بعد الكارثة كنا مجموعة من الأصدقاء الحالمين بمجد العروبة، والمؤمنين بالعروبة كإبداع، وخلق، وتراث، وقدرة على صناعة التاريخ، وصياغة مستقبلات مشرقة. كان من بين هؤلاء الأصدقاء الروائي والقاص، والكاتب، والصحافي نجتمع في منزل واحد منهم (الجميع لا يزالون أحياء أمدّ الله في أعمارهم ومتعهم بالصحة والعافية والفرح).
كان الوجع قد اجتاح الفكر، والتفكير، وكان العطب يبدو واضحاً في شرودنا، وحزننا، وتعاطينا مع تفاصيل حياتنا.
في تلك الجلسة قلت: لا حل إلا بأن يعقد العرب صلحاً مع إسرائيل ثم يتجهوا إلى بناء الإنسان، وتكريس الوعي، والثقافة، والتنوير في مجتمعات الأمة. وشن الحرب على الثالوث الخطير والقاتل. مضلع التخلف، الجهل، والفقر، والمرض، ويعملوا على بناء قدرات الشعوب، وانعتاقاتها من كل الأوبئة، والدخول في منظومة العالم المنتج الخلاّق. ثم بعد ذلك تبدأ عملية تصفية الحسابات مع إسرائيل أخلاقياً، وفكرياً، واقتصادياً، وعسكرياً. أما ونحن على هذا الوضع فليس بالإمكان أن نصنع قراراً يدخلنا في دينامية التاريخ والوعي.
أتذكر أن الزملاء الأصدقاء، ثاروا، وطردوني من المكان، وكانت أقل التهم أنني انهزامي. وذهب آخرون بأن هذه الأفكار مشبوهة، وربما تخفي وراءها ارتباطات خارجية (!!) تجند مجموعات لبث الروح الانهزامية، وتسوّق لأفكار الاعتراف بإسرائيل..!؟
كانت أياماً..
بعض العرب اعترف بإسرائيل، وأقام علاقات دبلوماسية معها. وكان التطبيع (عادل إمام في فيلم السفارة في العمارة يحرف المفردة!!).
بعض العرب لايزالون في خندق الممانعة والتصدي (شعاراً) ويفاوض في أحلك أيام الأمة. ويساوم، ويبتز الأمة، ولم يطلق رصاصة واحدة في الأراضي المحتلة منذ عام 67، بل هو مطلوب ومرحب به إسرائيلياً كنظام مهادن. يحمي الحدود الإسرائيلية..!؟
ماذا تغير..؟؟
تخلفنا أكثر. زادت نسبة الأمية، وانتشر الجهل، والفقر، والمرض وسادت البطالة.
و...
واستقالت الأمة من التاريخ..!؟
بقلم / راشد فهد الراشد