أحمد ياسين,,حكمة تعدت الجسد
22/3/2009
( لـُجينيات ) وكالات: خمسة أعوام مضت على استشهاده، إلا أن صدى كلماته لا تزال تصدح في أرجاء ومختلف بقاع العالم، وكأنه لا يزال على قيد الحياة، فقد كان المؤسس لإحدى أكبر الحركات الإسلامية في القرن العشرين، وهي التي تقف هذه الأيام في وجه أعتى قوة في الشرق الأوسط، إلا أن هذه القوة التي أسست غصبا على تراب فلسطين الطاهر، لم تنتظر كثيرا على الشيخ المقعد أحمد ياسين وقررت أن تكون نهايته شهادة في سبيل، بعد أن فشلت عن ثنيه عن منهاجه بالاعتقالات والإبعاد والتهديد، وكانت شهادته على غير ما أرادت (إسرائيل) بأن زادت شعبية وتأييد الحركة التي أسسها ليس فقط في فلسطين، وإنما في كل أرجاء العالم.
نشأة الشيخ
حينما كان الشيخ أحمد ياسين في العاشرة من عمره كان البريطانيون يجلبون الصهاينة من كل أصقاع الأرض ليؤسسوا لهم دولة على أرض فلسطين، وكان مولد الشيخ ياسين في العام 1938 في قرية "الجورة" قضاء مدينة "عسقلان" المحتلة.
ومع حلول النكبة في العام 1948م هاجر مع أسرته الفقيرة من مدينة عسقلان إلى قطاع غزة، ولم يمكث طويلاً حتى تعرض عام 1952 لحادث وهو يمارس الرياضة على شاطئ غزة، وهو ما أدى إلى شلل شبة كامل في جسده تطور لاحقاً إلى شلل كامل.
الشلل الذي أصاب الشيخ لم يثنه عن مواصلـة تعليمه وصولاً إلى العمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية في مدارس وكالة الغوث في قطاع غزة في تلك الأوقات، حيث كان المد القومى قد بلغ مداه.
ونتيجة لنشاطه الإسلامي الكبير في تلك الفترة، قامت السلطات المصرية التي كانت تشرف على غزة باعتقال الشيخ بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.
وعندما كان رجالات الجماعة في قطاع غزة يغادرون القطاع هرباً من بطش "جمال عبد الناصر" كان للشيخ أحمد رأى آخر، فقد قال:" إن على هذه الأرض ما يستحق الحياة والجهاد".
مرافق داخل المعتقل
وبعد خمسة أعوام يستذكر المحيطون وأصدقاء الشيخ أحمد أخلاقه وأفعاله بكل تفاصيلها، وقد كانت أوقات كبيرة للمهندس فريد زيادة من نابلس بصحبة الشيخ الذي تمنى أن يقضي معه أوقاتا طويلة ليتعرف عليه عن قرب، وإن كانت هذه الأوقات التي أمضاها داخل معتقلات العدو الصهيوني، وتحديدا في معتقل "كفار يونا" الذي كان يقبع فيه الشيخ في العام 1994م.
ويفخر المهندس زيادة بعد هذه الأعوام أنه كان من خدم الشيخ خلال تلك المدة في داخل معتقله، ويقول:" بدأت الحكاية عندما فتح الباب أمام أسرى حماس لتقديم طلبات للانتقال إلى سجن كفار يونا -حيث كان يحتجز الشيخ- فقد كانت تلك فرصتي للتعرف على هذه المعجزة الإيمانية عن قرب، فسارعت إلى تقديم طلب للانتقال من سجن نابلس المركزي إلى سجن كفار يونا، حيث يقيم الأستاذ الشهيد".
ويضيف:" كانت المنافسة شديدة جدًّا؛ أحباب الشيخ ومريدوه كثر، وكلهم وجد فيما رأيت فرصة للوصول لرؤية الشيخ القعيد وخدمته".
وأكد زيادة أن حركة حماس في السجون المركزية لدى قوات الاحتلال كانت تفتح باب الترشيح بين أسراها الذين أسرهم حب شيخها لهذا الشرف المضاعف، مضيفا:" فمن ينجح بالوصول للشيخ يحظى بشرف خدمته ورعاية شئونه، ووقوع الاختيار عليه يعكس ثقة تنظيمه به وبقدرته على تحمل صعاب المهام".
وكان سجن كفار يونا مخصصا للأسرى الجنائيين اليهود، وليس فيه من الأسرى الأمنيين العرب إلا غرفة واحدة كان يقيم بها الشيخ ومرافقان له.
وحين بلوغ الشيخ أحمد ياسين العشرين من عمره، بدأ نشاط الشيخ السياسي، وذلك من خلال المشاركة في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر في العام 1956، وخلال هذه الفعاليات أظهر الشيخ ياسين قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، فقد استطاع أن ينشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة، مؤكدا على ضرورة عودة الإقليم إلى الإدارة المصرية.
تأسيس حماس..عظمة البناء
وفي العام 1987م اتفق الشيخ أحمد مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة على الإعلان عن تأسيس تنظيم إسلامي بغية تحرير فلسطين، حيث أطلقوا عليه اسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وبدأ دور الشيخ في حماس يظهر بشكل فعلي خلال أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت آنذاك واشتهرت باسم "انتفاضة المساجد"، ومنذ ذلك الحين أصبح الشيخ أحمد ياسين بمثابة الزعيم الروحي لحركة حماس.
وكان الشيخ ياسين يرى ضرورة تسليح الشعب الفلسطيني والاعتماد على السواعد الوطنية المتوضئة، وكذلك البعد العربي والإسلامي في تحرير فلسطين، إذ لم يكن يرى من جدوى في الاعتماد على المجتمع الدولي في تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
علاقته بالأنظمة العربية
كان الشيخ أحمد ياسين رحمه الله يهتم في جانب العلاقات الإسلامية، ويتعامل مع المسلمين جميعا كأمة إسلامية واحدة تحمل عقيدة واحدة ورسالة واحدة، ولذلك كان حريصا على حسن معاملة جميع المسلمين وحريصا على التواصل مع جميع أبناء الأمة الإسلامية.
وعن هذه العلاقة يقول الدكتور نسيم ياسين "ابن شقيق الشيخ" والقيادي في حركة "حماس":" كان الشيخ حريصا على التواصل بمن يعرف ومن يستطيع، وعندما سافر إلى مصر لدراسته كان يتواصل مع قادة الإخوان المسلمين، وسافر إلى الحج، فكان قد تواصل مع إخوانه أبناء الحركة الإسلامية في الأردن، ولكن لم يكن لديه اتصال مع القادة السياسيين نظرا للعلاقة التي كانت بين حركة الإخوان وبين قيادة الدول العربية والإسلامية في ذلك اليوم".
ويضيف الدكتور نسيم:" لكن العلاقة تحسنت عندما خرج الشيخ من سجنه عام 1997م عندما حدثت محاولة اغتيال القائد خالد مشعل في الأردن، ونتيجة ذلك حدث تبادل للأسرى، فخرج الشيخ في تلك الصفقة، ومن ثم ذهب إلى الأردن، وهناك زاره الملك حسين والقادة السياسيين في الأردن والرئيس عرفات وغيره من القادة السياسيين وتواصلوا معه".
لا يرد فقيرا أو محتاجا
وعلى صعيد علاقته مع أبناء شعبه وجيرانه، فقد كانت ذات لون خاص من قبل الشيخ المقعد المشلول، فقد كان يشعر على المحتاجين من أبناء شعبه، ويعمل كل ما في وسعه للتخفيف من معاناتهم.
ويقول الشيخ حسن شمعة أحد مؤسسي حركة "حماس" وجار الشيخ أحمد ياسين عن هذه العلاقة:" كان الشيخ يتمتع بشخصية محبوبة من الآخرين، هذا بسبب حسن معاملته وتواضعه، فكانت هذه العلاقة مميزة مع من يعرفه ومن لا يعرفه، حتى أنه كان رحمة الله عليه يحسن مع الآخرين، وكانت له علاقات متميزة في كل من يحتك به وقريبا منه خاصة من جيرانه، وبالتالي فكان ذا شخصية مقبولة من خلال معاملته مع كافة أبناء شعبه".
بدوره، يقول عبد الحميد نجل الشيخ الشهيد:" لم يكن الشيخ يردّ أحداً؛ فكل إنسان يأتيه حتى لو كان يعلم أنه ليس محتاجاً فإنه يعطيه، وقد كان يطلب منا أن نقدر عدد أفراد كل عائلة وحالتها، ونعطيها بناء على ذلك".
ويضيف عبد الحميد بقوله:" كان الفقراء يأتون إليه فيعطيهم حسب المال المتوفر، وكنا أحيانا نقول للفقراء: لا يوجد مال، فيقولون: إذا قال لنا الشيخ ذلك فإننا سنقبل، فنخبره بذلك، فيقول: أخرجوني إليهم، فيقول لهم: صدقوا لو معي مال فلن أترككم تعودون دون أن أعطيكم، ويطلب منا أن نسجل أسماءهم".
اعتقال وملاحقة
يتبع