في ظلال الصمت.

للشاعر ابراهيم ناجي.

ها أنا عدت إلى حيث التقينا

فى مكان رفرفت فيه السعاده
وبه قد رفرف الصمت علينا
إن فى صمت المحبين عباده
رُب لحن ٍ قص فى خاطرنا
قصة السارى الذى غنى سهاده
وكأن الصمت منه واحة
هيأت من عشبها الرطب ِ سعاده

صمت السهل ولكن أقبلت
من ثنايا السهل أصداء بعيده
كل لحن ٍ فى هدوء ٍ شامل ٍ
تشتهى النفس ان تستعيده
يتهادى فى عُباب ساحر
باعث للشط أمواجاً مديده
فإذا ما ذهب الليل بها
تزخر النفس بأصداء ٍ جديده

هدأ الليل هنا , لكننى
كنت فى حسنك بالصمت أغنى
كل لحن ٍ لجب ٍ يغشى دمى
لعب العازف بالعود المُرن ِ
ناقلاً للنهر والسهل معاً
قصة يشرحها عنك وعنى
قصة الشاعر والحسن إذا استبقيا
للخلد فى حومة فن ِ

ما الذى فى خصله راقدة
ما الذى فى خطه أو كتبه ؟
ما الذى فى أثر خلفه
من افانين الهوى أو عجبه؟
ما الذى فى مجلس يألفه
عقد الحب عليه موعده
ربما يبكى أسى كرسيه ُ
إن نأى عنه وتبكى المائده
ولقد نحسبها هشت إذا
عائد هش لها أو عائده
ولقد نحسبها تسألنا
حين نمضى :أفراق لعده ؟!

كم أعدت نفسها وانتظرت
واستوت موحشة تحت السماء
وهى لو تملك كفاً صافحت
كفك الغضة فى كل مساء

رب كرم ٍ مده الليل لنا
فتواثبنا نبغى اقتطافه
وعلى خيمته حارسه ُ
عربى الجود شرقى الضيافه
وجد العرس على بهجته
وسناه دون ورد ٍ فأضافه
ثم وارته غيابات الدجى
كخيال ٍ من اساطير الخرافه

أرج يعبقُ فى جنح الدجى
حملته نحو عرشينا الرياح
كل عطر فى ثناياه سرى
كان سرا ً مُضمرا ً فيه فباح
يلها من حقبة كانت على
قصر ٍ فيها كآماد فساح
نتمنى كلما امتدت بنا
أن يظل الليل مجهول الصباح

أنا إن ضاقت بى الدنيا أفىء
لثوان ٍ رحبة ٍ قد وسعتنا
إنما الدنيا عُباب ضمنا
وشطوط من حظوظ فرقتنا
ولقد أطفو عليه قلقاً
غارقاً فى لحظة قد جمعتنا
ومعانى الحسن تترى وأنا
ناظر ُ فيها لمعنى خلف معنى

هذه الدنيا هجير كلها
أين فى الرمضاء ظل من ظلالك
ربما تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالك
لو جرت فى خاطرى أقصى المنى
لتمنيت خيالاً من خيالك

قلت لليل الذى جللنا
والذى كان على السر أمينا
أين ياقلبى من قلبى اجتبى
لهواه واصطفاه لى خدينا

لم أكن أطمع أن ترحمنى
بعد أن قضيت فى الوجه السنينا
لم أكن أطمع أن تضمر لى
آسيا يبرىء لى الجرح الدفينا
لم أكن أعلم ياليل الأسى
أن فى جنحك لى فجراً جنينا

أيها الائذ بالصمت كفى
أدر وجهك لى وانظر طويلا
لا تمل واسخر من الدنيا إذا
شاءت الأيام يوما ً أن تميلا

ما الذى مكن فى القلب الوداد
ما الذى صبك صباً فى الفؤاد؟
ما الذى ملك عينيك القياد
ما الذى يعصف عصفا ً بالرشاد؟
ما الذى إن اقصه عنى عاد
طاغياً سيان قربا ً أو بعاد ؟
ما الذى يخلقنا من عدم
ما الذى يُجرى حياة فى الجماد؟

كم حبيب بُعدت صهباؤه
وتبقت نفحة من حببه
فى نسيج ٍ خالد ٍ رغم البلى
عبث الدهر وما يعبث به

أين سلطانى ومجدى والذى
حُبه مجد وسلطان وعزه ؟
أين إلهامى ونورى والذى
أيقظ إلى البعث وهزه؟

منقووووووول