غشمشم حياتك يا رشيد

لم أر صورة أجمل في دراما هذا العام من مسلسل (غشمشم) الذي قدمه فهد اللحيان... وجمال غشمشم ليس في المعالجة الدرامية أو السيناريو أو التصوير، إنما بقدرة غشمشم على توظيف لهجة عزيزة علينا وهي لهجة شعبية صرفة وقدرة الفنان اللحيان على تجسيد شخصية الشاب الريفي المتطلع إلى تحقيق أحلامه وطموحاته في مدينة مثل الرياض. لهجة تكشف عن بساطة وطيبة وهي لهجة قديمة تنتمي إلى حضارات عريقة في المنطقة وتسلسل حضارات متعاقبة ابتداء من الممالك العربية قبل الإسلام أبرزها مملكة كندة مروراً بحضارة اليمامة وحجر قبل الإسلام وحضارة مملكة الدولة الاخيضرية وحتى ظهور المدن النجدية قبيل قيام الدولة السعودية الأولى... وغشمشم قدَّم صورة جميلة للشريحة الأقل من الوسطى وهي الشريحة التي لتوها خارجة من الريف ومن المزارع والحقول والحيطان الزراعية وتتطلع إلى تحقيق طموحاتها عبر عدد من المهن والوظائف التي استعرضها رشيد بن حويرش أو (ارشيد) كما يطلق عليه أهالي المنطقة وهي الشخصية الممتعة في الحياة التي تتعامل مع معايشاتها بواقعية لا تزيف ولا تجمل واقعها.
ارشيد بن حويرش ينتمي إلى أسرة من حيث الدخل المادي أقل من المتوسط أو فقيرة، لكنه يحمل في داخله قيماً أخلاقية وصدقاً ويتطلع إلى تغيير واقعه الريفي إلى بناء حياة جديدة، وهي رسالة واضحة لهذا الجيل في كسر طوق البطالة والاعتماد على الوالدين في المعيشة والبحث عن فرص وظيفية هو وزوجته في كل مجالات العمل دون أن يكون مربوطاً بتقاليد تعيقه عن تحقيق ذاته وتجعله يمد يده للغير...

(أرشيد) شخصية نحتاجها في حياتنا تمثل الشباب المتجذر في علاقاته الاجتماعية لكنه واقعي في تعاطيه مع الحياة... وهو عنوان للأسر الريفية والزراعية التي استوعبت واقعها وقررت أن تندمج في حياة المدينة عبر العمل الشريف دون أن تفقد روح وجمال الريف والقرى الزراعية..

والممتع في شخصية ارشيد هي تلك الأهازيج والاغنيات التي يرددها الكورال:

غشمشم حياتك دوم يا ارشيد

فيرد عليهم: أنا جيت أبي احقق أحلامي

علينا أن نحترم ارشيد ونحترم طموحه وشرف المهن التي عمل بها وأن نقبله بصدق وحرارة، لأن أرشيد واحد من أبناء هذه البيئة يود أن يحقق أحلامه وممسك بتقاليده التي جاء بها والتي لم تمنعه من البحث عن عمل شريف... والذي زاد من جمال شخصية ارشيد بن حويرش هي لهجته المحلية التي يتغنى ويعتز بها ويحرص على تأكيدها وهي لهجة لها منابعها نغمتها اللذيذة هي لهجة التصقت بالصدق والوضوح والشفافية ويزيد جمالها تلك المفردات والدلائل وبعض تطريباتها وخاصة عندما ينطق بها ارشيد...

ارشيد أرى فيه صورة اجتماعية لم نلتفت إليها ولم نعطيا حقها في البحث والدراسة التاريخية والاجتماعية واللغوية، وهي كنز معرفي لو قدر للباحثين استثماره علمياً.. وأتمنى أن يستمر ارشيد حفيد آل حويرش في تقديم الصور الاجتماعية وكشف سلبيات المجتمع والتوغل في القضايا الاجتماعية كنوع من المعالجة الواقعية مع محافظته على الطرح الكوميدي حتى لا نستنتج الواقع وإنما نعالجه.. ارشيد بن حويرش شخصية اجتماعية يجب أن نحافظ عليها وندعمها لأنها تمتعنا وتلفت نظرنا إلى جماليات لهجات بلادنا.

د.عبدالعزيز جارالله الجارالله