06-04-08, 05:35 PM
|
المشاركة رقم: 1
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
النخبة |
الرتبة: |
|
الصورة الرمزية |
|
البيانات |
التسجيل: |
Aug 2007 |
العضوية: |
1161 |
المشاركات: |
1,404 [+] |
بمعدل : |
0.21 يوميا |
اخر زياره : |
[+] |
معدل التقييم: |
361 |
نقاط التقييم: |
10 |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
اخر
مواضيعي |
|
|
|
المنتدى :
منتدى الطروحات الثقافية والأدبـية
"عبدالله الطيب" عميد الأدب العربي في السودان
في أواخر السبعينيات قرأت دراسة ممتعة* في أسلوبها ومضمونها* حول تأثر "ت. س. اليوت"* الشاعر (الأتجلو أمريكي) المعروف* بمعلقة الشاعر الجاهلي "طرفة بن العبد". كانت الدراسة في صحيفة عربية أفسحت لصاحبها مساحة عريضة وطويلة* وكنت قد عرفته من قبل في كتاب اسمه "المرشد في فهم أشعار العرب وصناعتها"* وتوطدت معرفتي علي الورق بالعلامة السوداني "عبدالله الطيب المجذوب"* وتابعت كتاباته* وتوقفت مع أشعاره عند دراستي لبعض القضايا الأدبية* حتى جاء نعيه أواخر يونيو2003* ولكن صحافتنا لم تلتفت إلى الرجل الذي يعد عميد الأدب العربي في السودان* ويحظى بمنزلة رفيعة في أرجاء الوطن العربي* سواء في المجامع اللغوية أو المحافل العلمية الأخرى* ونال تقديرا كبيرا من رواد أدبنا المعاصر.
الرجل من طراز رفيع وفذ* فهو أصيل في لغته وفكره ومعرفته* درس في بلاد الإنجليز واختلط بأهلها* وعمل فيها أستاذا ومعلما* ولكنه ظل وفيا لثقافته* حريصا عليها* منافحا من أجلها. ومع أنه تزوج من إنجليزية في وقت مبكر* إلا أنه بقي منتميا لدائرته العربية والإسلامية دون خجل أو إحساس بالدونية* فقد كان يعرف قيمة هذه الدائرة* وقدر الانتماء إليها.
جهود الرجل في مجالات اللغة العربية وآدابها* كبيرة وممتدة* فهو اللغوي الذي يخدم اللغة علي أكثر من مستوى* بدءا بأسلوبه المتميز الذي يحرص علي استخدام الكلمة الدقيقة* والتركيب المحكم* والصورة المضيئة* والإيقاع الجميل* ومرورا بقضاياها في مجال الدرس والبحث* إلى المشاركة فيما يدور حولها داخل مجمع اللغة العربية بمصر بوصفه عضوا فيه* ومجمع اللغة العربية في السودان بوصفه رئيسا له.
لقد عمل أستاذا للأدب العربي داخل السودان وخارجه* فكان رئيسا لقسم اللغة العربية ومناهج المدارس المتوسطة في معهد "بخت الرضا" لتدريب المعلمين في السودان* وأستاذا في قسم اللغة العربية بجامعة الخرطوم، وعميدا لكلية الآداب فيها. وكان محاضرا في كليه الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن. وكان أستاذا زائرا في عدد من الجامعات العربية والأفريقية والبريطانية* فضلا عن عضويته في هيئه تحرير الموسوعة الأفريقية في غانا* ورئاسته لاتحاد الأدباء في السودان.
يروى عن الدكتور عز الدين إسماعيل أنه قال حين تقاسم جائزة الملك فيصل عام2000 مع عبدالله الطيب: حاشا أن أتقاسمها مع أستاذي.
ولد "عبدالله الطيب المجذوب" في2/6/1921م بقرية "التميراب" غرب مدينة "الدامر" ولاية نهر النيل، ونشأ في الخلوات (تشبه الكتاتيب)* وتنقل بين مدن السودان للدراسة حيث تعلم في مدارس كسلا والدامر وبربر وكلية جورودون التذكارية* والمدارس العليا ومعهد التربية بـ "بخت الرضا"* وذهب في بعثة إلى جامعة لندن وحصل علي شهادة المعادلة في البكالوريوس في الآداب من كليه الدراسات الشرقية والأفريقية عام 1948* ثم حصل على الدكتوراه عام 1951 حول الشاعر الأشهر "أبي العلاء المعري" وشعره.
أنتج عبدالله الطيب مجموعة كبيرة من الدراسات الأدبية المهمة، في مقدمتها "المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها" ويقع في أربعة مجلدات* ألفها على مدي خمس وثلاثين سنة* وحلل فيها جوانب الشعر العربي، وتطور القصيدة العربية وتأثيرها في الشعر العالمي. ومن مؤلفاته: القصيدة المادحة* ومع أبي الطيب* والتماسة عزاء بين الشعراء* وذكرى صديقين.
أما الشعر* فله عنده منزلة كبيرة إبداعا وتذوقا* ومن دواوينه: أصداء النيل، اللواء الظافر، سقط الزند الجديد* بانات رامة* أغاني الأصيل* وبالإضافة إلى الدواوين فقد أنتج عددا من المسرحيات الشعرية* وبعض المؤلفات بالإنجليزية.
يبدو تأثر "عبدالله الطيب" بأبي العلاء المعري، وأبي الطيب، وأبي تمام، والبحتري، كبيرا وواضحا* وبارزا في أشعاره ودراساته علي السواء. وهذا التأثر هو الذي جعله وفيا للقصيدة العربية ذات الشطرين والقافية الموحدة* وجعله من أكثر الشعراء المعاصرين اعتزازا بموسيقى الشعر وتذوقا لها* وتطويعا للبحور التي يهرب منها معظم الشعراء، مثل: المنسرح* فقد حببه إليه أبو الطيب، وابن قيس الرقيات* وفي مقدمة ديوانه أغاني الأصيل يطرح قضية الموسيقى الشعرية باستفاضة* ويرى أن الشعر خيال ووجدان وحكمة وإيقاع. أما الخيال فذكريات وتجارب وأوصاف. وأما الوجدان فعواطف وعبر وأنفاس حرار طوال وقصار* وأما الحكمة فالأمثال والمواعظ والعبر تنتزع من الفلكلور مباشرة كما عند طرفة* أو تقاس عليه بدقة فكر وبلا تعمل وتكلف كما عند زهير في الأوائل* وأبي الطيب وأبي تمام في المحدثين.
وأما الإيقاع فهو الطريق الرئيسي لجميع ما تقدم ذكره من عناصر الشعر* وبه يفترق الأداء الشعري عن الأداء النثري* إذ الشعر موسيقى بيان* والنثر بيان قد تصاحبه الموسيقي أحيانا، كما في رسائل الجاحظ ومقامات الحريري* وزعم الفارابي ـ يقول عبدالله الطيب ـ أن الشعر رئيسه الهيئة الموسيقية، وأن الموسيقي إنما نتعلمها من أجل فهم الشعر وتجويده وإدراك غاياته.
إنه يدعو إلى التذوق الطيب* ويرى أن الذوق متى تعود علي خبيث فسد به* وتعذر إصلاحه أو تعسر وأعيت الرجعة إلى تذوق الطيب الذي كان من قبل أن يألفه ويحبه، فكيف إذا تعود علي الخبيث من غير سابقة عهد بالطيب لالتماس هذا فلا تجد إلا ذاك؟ فلا غرو أن نجد الناشئة الآن لا يقبلون علي الشعر الجيد حقا، بل ينفرون.. ومن جهل شيئا عاداه.
رحم الله "عبدالله الطيب المجذوب" فلو سمع بعض الدعاوى عن تغيير الذائقة* والنثر الذي يسمي شعرا؛ لقال كلاما يؤكد كلامه السابق. فتصحيح الأذواق وإصلاحها يصحح اللغة ذاتها ويحافظ عليها* فاللغة ـ كما يرى ـ عنوان نهضة الأمة العربية وشاهد عزتها بلا أدنى ريب.
|
|
|