الشبكة مسجلة لدى وزارة الثقافة و الاعلام


Google



منتدى المقالات و الاحداث العربية و العالمية للمقالات و الاخبار المنقولة من صحفنا

 
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-12-06, 08:35 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
الآمــــيــــن الـــــعـــــامــ
الرتبة:
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشهاب

 

البيانات
التسجيل: Nov 2006
العضوية: 90
المشاركات: 14,605 [+]
بمعدل : 2.13 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 50
نقاط التقييم: 1820
الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future الشهاب has a brilliant future

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
الشهاب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


المنتدى : منتدى المقالات و الاحداث العربية و العالمية
افتراضي الحرب على افغانستان

ولا: البيئة العسكرية الاستراتيجية للحرب فى أفغانستان

بالرغم من أن هجمات الحادى عشر من سبتمبر بدت كمفاجأة كبرى ، إلا أنه يمكن ربطها بكثير من المقدمات والتطورات التى تمت على أرض الواقع، والتى لم تكن بعيدة تماما عن إدراك مراكز الفكر السياسى والعسكرى الأمريكى، حيث تنبه الكثير من هذه المراكز لمصادر خطر وتهديدات غير مألوفة، لكنها اعتقدت أن أمامها وقتا كافيا للاستعداد له، فدهمتها الأحداث بسرعة لم تكن تتوقعها.
يمكن تمييز تلك المقدمات على مستويين:
المستوى الأول: ما حدث فعلا على أرض الواقع من حروب ومواجهات عسكرية كانت الولايات المتحدة طرفا فيها منذ انتهاء الحرب الباردة، وتبدل النظام الدولى لتصبح الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة فى العالم.
المستوى الثانى: يشمل ما طرأ من تغيرات على الفكر العسكرى الأمريكى نفسه، وصلة ذلك برؤية الولايات المتحدة الأمريكية للتهديدات التى أصبحت تواجهها هى والتحالف الغربى والعالم بشكل عام، وأيضا فى ضوء تجارب الحروب التى خاضتها الولايات المتحدة منذ انفرادها بدور الدولة العظمى خلال العقد الأخير من القرن العشرين.

1. النيران القوية بديل القوة البشرية
اختارت الولايات المتحدة خلال السنوات الخمسين التى تلت الحرب العالمية الثانية أن توظف نتائج الثورة العلمية والتطورات التكنولوجية المتلاحقة والقدرات الصناعية فى تطوير نظم تسليح تعطى الأولوية للحفاظ على حياة الجنود الأمريكيين، من خلال الاعتماد المتزايد على قوة النيران بديلا عن القوة البشرية. وقد ساعدت الثورة التكنولوجية فى مجال الإلكترونات والمعلومات والفضاء على تحقيق رؤية أوضح لمسرح عمليات واسع وممتد، وتوجيه قوة النيران بدقة إلى مسافات بعيدة داخل هذا المسرح بأبعاده الجديدة. ودعم هذا التوجه، بجانب العوامل التكنولوجية والعملياتية المذكورة سابقا، تقدير أمريكى بأن الولايات المتحدة يجب أن توازن بين حجم المصالح و حجم التضحية لحماية هذه المصالح، وأنها لا يجب أن تضحى بحياة أبنائها بشكل غير محدود للدفاع عن الآخرين أو لحماية مصالح خارج أراضيها هى بطبيعتها محدودة فى كل الأحوال، وهو ما تم صياغته فى مبدأ استراتيجى قوامه أن المصالح الاستراتيجية المحدودة لا تبرر الالتزامات غير المحدودة. Limited strategic interests do not justify unlimited commitment
وأكدت التجربة التاريخية بالفعل أن الولايات المتحدة منذ أن صعد نجمها فوق المسرح الدولى مع بداية القرن العشرين قد اضطرت ـ برغم بعض توجهات العزلة داخلها ـ أن تحارب بعيدا عن أراضيها فى الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الكورية وحرب فيتنام وحرب الخليج الثانية وحرب كوسوفو، وكان اعتمادها على قوة نيران فعالة فى هذه الحروب حلا مناسبا للقتال من أجل حلفائها بدون أن تضحى بكثير من أبنائها من أجلهم. إلى أن جاءت هجمات سبتمبر وصارت الولايات المتحدة نفسها هى الضحية المباشرة وهدفا للتهديد، فكان ولابد وأن يُعاد النظر فى القاعدة القديمة وأن تصبح الولايات المتحدة أكثر استعدادا لتقبل خسائر بشرية وأن تُعدل طريقتها فى القتال تبعا لذلك.
ويبين الجدول رقم (1) وزن القنابل والذخيرة بالطن التى استهلكتها القوات الجوية الأمريكية فى عدد من حروبها الشهيرة منذ الحرب العالمية الثانية، ومدى تركيزها الملحوظ على قوة النيران فى تلك الحروب. واللافت للنظر أنه برغم أن الوزن الكلى لذخيرة القصف الجوى فى حرب الخليج الثانية يقل كثيرا عن الحرب العالمية الثانية لقصر فترة الحرب، إلا أن معدل استهلاك الذخيرة فى الشهر الواحد يقترب كثيرا (85%) من معدل استهلاك الذخيرة فى الحرب العالمية الثانية.


جدول رقم (1)
استهلاك القوات الجوية الأمريكية للذخيرة فى الحروب الأمريكية
منذ الحرب العالمية الثانية

الاستهلاك (طن/شهر) طول فترة الحرب (شهر) وزن الذخيرة بالطن الحــرب
47778 45 2150000 الحرب العالمية الثانية
12270 37 454000 الحرب الكورية
44014 140 6162000 حرب فيتنام
40416 1.5 60624 حرب الخليج 1991


أعادت حرب الخليج وكوسوفو تأكيد أهمية قوة النيران والقدرة الجوية والفضائية (صواريخ كروز، ذخيرة ذكية، أقمار صناعية) فى إضعاف قوة الخصم الأرضية إلى الدرجة التى تقلل كثيرا من الخسائر عند بدء العمليات البرية. وقد انكمشت العمليات البرية فى حرب الخليج 1991 إلى أربعة أيام فى مقابل خمسة وثلاثين يوما من الحرب الجوية. كما أثبتت حرب كوسوفو أن الدفاع عن جماعة عرقية لم يكلف الولايات المتحدة وحلفاءها فى حلف الناتو ضحايا بشرية بفضل التفوق الساحق لقوة النيران الأمريكية بعناصرها المختلفة.
وخلال السنوات العشر التى مضت بين حرب الخليج الثانية 1991 وحرب كوسوفو 1999، استشعر المخطط العسكرى الأمريكى محاولات الخصوم للتكيف مع التفوق الأمريكى فى قوة النيران، ومحاولة البحث عن حلول مناسبة للتعامل معها. كما رصد تحولات أساسية فى طبيعة التهديدات الموجهة للولايات المتحدة من حيث أنها اتخذت مسارا آخر غير تقليدى وغير متماثل، بمعنى أنها لا تمثل إجراء مضادا لوسائل النيران التقليدية، بل تعمل على محاور تأثير أخرى لم تكن مطروحة من قبل. فضلا عن ظهور أعداء جدد ضد الولايات المتحدة فى صورة منظمات وجماعات تعمل خارج إطار الدولة القومية. وفى هذا الإطار ظهرت محاولات القيادة الصربية أثناء حرب كوسوفو للتعلم من دروس حرب الخليج الثانية، وكان معظمها يدور حول نشر وإخفاء القوات والأسلحة البرية بعيدا عن المدن، وإطالة أمد الحرب بأمل التحول بعد ذلك إلى حرب استنزاف برية، أو أن يحدث استنزاف مالى واقتصادى للجانب المهاجم، أو أن ينشأ بسبب أحداث الحرب تحول فى الرأى العام ضد استمرارها، أو ـ كما فى حالة العراق خلال حرب الخليج الثانية ـ أن تستخدم الدولة بعضا من قدراتها الصاروخية المتاحة فى ضرب القوات الأمريكية أو حلفائها. وفى الحالتين، الصربية والعراقية، وقف الحجم الهائل للقوة الأمريكية العسكرية والاقتصادية والصناعية وما يعنيه ذلك من قدرة لا تنضب على التزود بالذخيرة والمعدات، حائلا دون جرها إلى حرب استنزاف برية قبل الأوان.

2ـ الحرب فى عصر الدقة
توقعت مراكز البحث العسكرية الأمريكية أن يتيح عصر المعلومات والانتشار الواسع للمعرفة والتكنولوجيا المتقدمة فرصا لأطراف أخرى مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران والعراق أو أى خصم آخر محتمل للولايات المتحدة ـ مع بعض الإبداع والتجريب ـ تطوير إجراءات ووسائل مضادة هدفها تحييد منظومة النيران الأمريكية بعناصرها المختلفة الحديثة. وكما ظهر أثناء حملة كوسوفو العسكرية فإن قيادة حلف الناتو كانت قد اقتربت من نفاد الصبر بعد أن وصلت فى عدد طلعاتها الجوية إلى حوالى 700 طلعة فى اليوم الواحد، وبدأت فى التفكير فى التدخل البرى، إلا أن انهيار الطرف الصربى بعد طول تحمل وفر عليها ذلك. وقد عبر عن القلق الأمريكى من إمكانية تآكل تأثير قوة النيران دراستان صادرتان عن كلية الحرب الأمريكية فى خريف 1999، الأولى بعنوان الأعداء المتكيفون: تحقيق النصر بتجنب الهزيمة Adaptive Enemies: Achieving Victory by Avoiding Defeat ، والثانية بعنوان من كوريا إلى كوسوفو: كيف تعلم الجيش الأمريكى قتال الحرب المحدودة فى عصر الدقة.
(From Korea to Kosovo: How American Army has Learned to Fight Limited Wars in the Precision Age(.
والدراستان من تأليف الجنرال روبرت سكاليس وظهرتا تحت عنوان واحد الجيش الأمريكى فى مرحلة تحول: الاستعداد للحرب فى عصر الدقة
(America's Army in Transition: Preparing for War in the Precision Age)
وتوصلت الدراستان إلى عدد من النتائج المهمة ليست بعيدة عن الأجواء التى دارت داخلها حرب أفغانستان من بينها:
* أن تفوق الولايات المتحدة فى قوة النيران وتمكنها تكنولوجيا من إنهاء التناقض بين المدى والدقة لا يعنى أن ذلك التفوق سوف يستمر إلى الأبد، والمنتظر أن يحاول الخصوم التكيف مع تلك الميزة التى يمتلكها الطرف الآخر ومحاولة تحقيق النصر فقط عبر تجنب الهزيمة. وهو تصور مماثل لدور القلاع والحصون القديمة عندما كان من الممكن أن تهزم العدو بالصمود وتحمل الخسائر، فيرحل بعد أن يمل الحصار ويفقد المدد، أو تجرى عليه متغيرات لم تكن فى الحسبان.
* أن العسكرية الغربية والأمريكية منها فى الطليعة تعانى من نقاط ضعف وحساسيات تتصل بقدرتها على تحمل خسائر بشرية كبيرة، أو تناقص تأييد الرأى العام، أو التورط فى حرب طويلة تقاس بالسنين وليس بالشهور.
* تحول الخصوم إلى نشر الأسلحة والمؤونة ووسائل الاتصال والنقل على أوسع مساحة ممكنة وإخفائها وحمايتها فى أماكن حصينة، وتجنب استخدام وسائل الدفاع الجوى الثابتة، أو المعتمدة على أنظمة قيادة وسيطرة معقدة، أو التى تخدمها معدات أرضية ضخمة وثقيلة، مع العمل فى الوقت نفسه على امتلاك بعض أسلحة النيران الحديثة بالقدر الذى يمكنها من انتهاز بعض الفرص لتحقيق قدر من الخسائر البشرية فى الجانب الآخر.
* اتجاه الخصوم إلى تطوير أسلحة دمار شامل رخيصة الثمن ووسائل توصيلها، والتفكير فى وسائل غير تقليدية للنيل من القوة الغربية المضادة خارج مسرح القتال أرضا وبحرا وجوا.

ووفقا لهذه الدروس أوصت الدراستان بإحداث نوع من التوازن بين قوة النيران والمناورة بالقوات، والاستعداد لحروب قادمة قد تحتاج القوة الأمريكية فيها إلى العمل فوق الأرض لفترات طويلة قد تفقد فيها أرواحا من الجنود. لكنها أكدت على أهمية التمسك بتحقيق النصر بأقل تكلفة بشرية ومادية ممكنة، وذلك عن طريق إحداث ثورة فى أداء القوة البرية كما حدث من قبل بالنسبة لقوة النيران، وتزويدها بأفضل الوسائل للعثور على العدو والوصول إليه فوق الأرض أو فى مخابئه الحصينة. بعبارة أخرى أن يطبق على القوة البرية نفس معايير قوة النيران من حيث المدى والدقة والتأثير عند الهدف. ومن هنا يصبح للقوة الحديثة فى عصر الدقة Precision Age جناحان: جوى (قوة النيران) وبرى (قوة الجنود).

3. الدفاع عن أرض الوطن
تزامن مع مثل هذه التوصيات التى تحذر من أثر التغيير فى فكر وأدوات الأعداء المحتملين على الأمن الأمريكى، صعود مفهوم آخر يركز على إعادة النظر فى كيفية حماية الأرض الأمريكية نفسها ضد هجوم محتمل بصور مختلفة غير تقليدية. وفى هذا الإطار تبلور مصطلح الدفاع عن أرض الوطن Homeland Defense لأول مرة فى المؤتمر السنوى الاستراتيجى الحادى عشر لمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب الأمريكية (11-13 إبريل2000) حيث شارك فى المؤتمر 200 من الخبراء والقادة الأمريكيين والأجانب من الأكاديميين والعسكريين والمدنيين والحكوميين ورجال الأعمال، بغرض بحث ما يجب أن تفعله وزارة الدفاع الأمريكية لتأمين الطمأنينة الداخلية والدفاع المشترك.
فخلال عقود ممتدة من التاريخ الأمريكى كانت حماية الأمن القومى بالنسبة للولايات المتحدة تعنى التصدى لهجوم يأتى من الخارج، أما الداخل فتقع مسئولية حمايته على مؤسسات الأمن المحلية والفيدرالية بعيدا عن القوات المسلحة ومهامها التقليدية المعروفة والمرتبطة أساسا بالتهديدات الخارجية. إذ أيقن الأمريكيون لسنوات طويلة أنهم يعيشون بعيدا عن الخطر خلف مانع طبيعى يمكنهم الاعتماد عليه. وصار مفهوم الدفاع ضد تهديد يأتى من الداخل غائبا تقريبا عن الوعى الاستراتيجى. ومع ذلك تغير هذا الإدراك بالتدريج خلال النصف الثانى من التسعينات حين فرضت حقائق العولمة وسهولة اختراق أسوار الدولة من مصادر متعددة ضرورة رسم صورة جديدة للتهديدات الموجهة إليها. وتبلورت النتيجة فى أن الصورة لم تحتو فقط على الدول الشريرة أو المارقة بملامحها المعروفة، ولكنها عكست خليطا متداخلا ومنتشرا من الجماعات والأفراد والأفكار العابرة لحدود الدولة المادية وغير المادية الممتلئة بالثقوب.
ولاشك أن أحداث 11 سبتمبر فجرت كل المخاوف الحبيسة عن أمن وسلامة الداخل الأمريكى والتهديدات الموجهة إليه، وعلى رأسها التهديد البيولوجى والكيماوى والمعلوماتى. فمع غلبة الاعتماد على نظم المعلومات فى إدارة كثير من الشبكات الحيوية والمنشآت الاقتصادية تزايد احتمال تعرض تلك الأهداف للاختراق والتخريب بكل ما ينتجه ذلك من أضرار فادحة اقتصادية وأمنية. وقد حدث بالفعل فى الولايات المتحدة خلال سنة 1999 أكثر من 22000 محاولة اختراق لنظم الكومبيوتر العسكرية. ويزيد هذا الرقم ثلاث مرات عن الرقم المسجل فى سنة 1998. ويتضاعف الخطر عندما يتحالف هذا التهديد الخطير مع أنواع التهديد الأخرى التقليدية وغير التقليدية. فجبهة المعلومات أو الجبهة الرقمية أصبحت بدورها جبهة قتال جديدة تتزايد أهميتها يوما بعد يوم، ويصل خطرها إلى كل أطراف الجهاز العصبى للقيادة والسيطرة المدنية والعسكرية للدولة، خاصة فى دولة متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد لاح فى الأفق أكثر من نذير بعد استخدام الغازات السامة داخل مترو الأنفاق فى طوكيو، ومحاولة تفجير مركز التجارة العالمى فى نيويورك، ومبنى المدينة الفيدرالى فى أوكلاهوما، والعديد من الحوادث الأخرى المتتابعة لتخريب البنية المعلوماتية للولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية. وهكذا انتهت مهمة إعادة تعريف التهديد فى الولايات المتحدة إلى أن مصدر التهديد والهدف المتجه إليه أصبح من الصعب التنبؤ به وتحديده بدقة، كما أن الجماهير العادية المدنية وبنيتها التحتية التى تخدمها وتقوم عليها رفاهيتها وحياتها قد أصبحت هدفا للعدوان بديلا عن الأهداف العسكرية التى كانت موضوعا للحروب خلال القرون الماضية.
ويمكن القول أن شيئا فى الحرب نفسها قد تغير منذ حرب الخليج وكوسوفا باختلاط المدنى بالعسكرى، فقد أصبحت قائمة الأهداف المُراد تدميرها تحتوى على الكبارى والسدود ومحطات القوى ومستودعات البترول بأكثر مما تحتوى على حشود الجنود والدبابات. وركزت توصيات المؤتمر على أهمية وضع تصور وخطة للأمن القومى تعكس المزيج الجديد المدنى ـ العسكرى فى قضايا الدفاع ، وكان من المعتاد الفصل بينهما فى إطار الأمن التقليدى. وأهم من ذلك الحاجة لوضع مفهوم جديد للردع فى ضوء تلك الصور البازغة للتهديد ومصادره وأسلحته والأهداف المتجه إليها.

4 ـ تهديدات من الخارج إلى الداخل
تشير النقاط السابقة إلى المقدمات الفكرية التى سبقت أحداث 11 سبتمبر، ومن المدهش أن الأحداث على أرض الواقع كانت تصب أيضا فى نفس الاتجاه الذى يقول بأن الولايات المتحدة قد تضطر للدفاع عن خطر وهجوم موجه إليها فى الداخل وأن حروبها القادمة لن تقتصر فقط على نجدة الحلفاء أو دعم استراتيجيتها الكونية كما فى حالتى حرب الخليج وكوسوفو. ومن المدهش أن جذور تلك الإرهاصات المادية لأحداث سبتمبر كانت ممتدة داخل المسرح الأفغانى آخر مسارح حروب الحرب الباردة.
وخلال سنوات التسعينات تعرضت الولايات المتحدة ومصالحها فى الخارج لعمليات إرهابية أشارت فيها أصابع الاتهام إلى القوى الإسلامية وإلى تنظيم بن لادن على وجه الخصوص مثل: محاولة تدمير مركز التجارة العالمى فى نيويورك فى 26 فبراير 1993، وتفجير سفارتى الولايات المتحدة فى نيروبى ودار السلام فى 1998، حيث قتل فى هذه المحاولة 224 فردا من بينهم 12 أمريكيا، والهجوم على المدمرة الأمريكية كول قرب سواحل اليمن فى 12 أكتوبر 2000، حيث قتل 17 أمريكيا فى الحادث.
وبعد حادث المدمرة كول تصاعدت الشكوك المتبادلة بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة، وزاد من سخونة الموقف، أن الحادثة تزامنت مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية فى 28 سبتمبر 2000. ولقد ظهرت بعد ذلك معلومات هامة للمحققين اليمنيين عن علاقة تنظيم القاعدة بالحادث، نتيجة العثور على رسالة فى بيت أحد المشتبه فيهم يعتقد أن أسامة بن لادن قد كتبها، وأن الرسالة قد كتبت فى أفغانستان وأرسلت إلى اليمن عن طريق شخص سعودى، والرسالة تحتوى على تعليمات عامة للهجوم على السفن الأمريكية أمام سواحل عدن. وقبل هجوم سبتمبر كان بن لادن على رأس قائمة من عشرة أفراد مطلوب القبض عليهم بواسطة المباحث الفدرالية الأمريكية التى أعلنت عن 5 ملايين دولار سوف تقدم لمن يدلى بمعلومات تؤدى إلى القبض عليه.
وأصبحت الولايات المتحدة فى حالة استنفار دائم خاصة فى منطقة الشرق الأوسط والخليج. وبدأت فى مراقبة الاتصالات الدائرة بين الجماعات والتنظيمات المختلفة التى لها علاقة مع تنظيم القاعدة مستخدمة فى ذلك وسائل التجسس البشرى والتنصت الإشارى الأرضى والفضائى. ونتيجة لذلك اتبعت الإدارة الأمريكية أسلوب إصدار تحذيرات علنية إلى قواتها فى الخارج وبعثاتها الدبلوماسية، لاتخاذ إجراءات طوارئ معينة كانت تصل فى بعض الأحيان إلى حد إغلاق السفارات لبضعة أيام وإعطاء أوامر لبعض تشكيلات الأسطول بالابتعاد عن موانئ معينة أو البقاء فى عرض البحر. وهو ما حدث بالتحديد فى 22 يونية و17 يولية 2001 قبل حادث 11 سبتمبر بأقل من شهرين، حيث أذيعت التحذيرات بواسطة وسائل الإعلام المختلفة وبشكل ظاهر ومتكرر. وهناك اعتقاد أن بن لادن قد سرب تلك المعلومات بالصورة التى تسمح له برصد ردود الفعل الأمريكية والإجراءات المضادة حتى يمكن أخذها فى الاعتبار عند تخطيطه لهجوم مستقبلى.

ثانيا: الحملة العسكرية على أفغانستان

1. استيعاب النتائج الأولية
بعد أن تم استيعاب هول النتائج الأولية لهجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001، وصف المحللون الاستراتيجيون والرسميون الأمريكيون الهجمات باعتبارها بيرل هاربر جديدة، وبهذا الوصف تحول النظر إلى الهجوم من مجرد عملية اختطاف عادية لطائرات مدنية إلى عمل عسكرى ضد الولايات المتحدة. ولقد كان الهجوم، وطبقا لكل المقاييس المعروفة، عملا رفيعا من أعمال القوات الخاصة يتسم بالتخطيط المسبق المحكم، والاختيار المتأنى للأهداف وما تمثله من قيمة ورمز، وبعد ذلك الإصرار على إنجاز المهمة بصورة انتحارية حتى الموت. ومن ناحية الخسائر، كانت كبيرة بشريا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا. وخلال ساعات قليلة توالت أحداث كثيرة دخلت التاريخ الأمريكى لأول مرة. فقد أُغلقت المطارات الأمريكية كلها لأول مرة أمام الطيران المدنى، ولأول مرة يتعرض البنتاجون لضربة عسكرية منذ انتهاء إنشائه فى 1943، وكذلك إغلاق بورصة الأوراق المالية، وقاعة الاستقلال، ومترو الأنفاق، وديزنى لاند، وغير ذلك من الأماكن التى تُعرف بها أمريكا بين دول العالم لشهرتها الاقتصادية أو الثقافية.
أدى التحليل المبدئى لنتائج الحدث إلى عدد من الملاحظات والنتائج:
أ. وجود تقصير معلوماتى ومخابراتى فادح ظهر فى العجز عن اكتشاف عملية طويلة ومعقدة كان من الممكن إحباطها أثناء مراحل التخطيط والتدريب والاتصال بين أفرادها، خاصة مع وجود إرهاصات ومؤشرات سبقت الحدث كانت كافية للتنبؤ به وإجهاضه.
ب. وجود قصور فادح فى سرعة الاستجابة للحدث والتعامل معه، وذلك على الرغم من أن الوقت الذى استغرقته الأحداث منذ انحراف أول طائرة عن مسارها حتى آخر ضربة ضد البنتاجون امتد إلى حوالى 76 دقيقة.
ج. أن تنفيذ العملية تم بأسلوب الهجوم الانتحارى، وهو نفس الأسلوب الذى استخدمه الفلسطينيون بنجاح فى الفترة نفسها تقريبا ضد الإسرائيليين. ومن ثم فقد أصبح العمل الانتحارى ، أو الاستشهادى إحدى وسائل العمل المسلح فى ظل امتلاك الخصم لقدرات هجومية ودفاعية هائلة تحتم فى بعض الحالات اللجوء لهذا الخيار الخاص.
د. من البداية توجه النقد بكل قوة إلى أجهزة المخابرات، فقد أكدت الأحداث أن الولايات المتحدة تبدو مرة أخرى غير منتبهة للخطر، مع أن موضوع الحرب غير المتماثلة ضد نقاط الضعف الظاهرة فى المجتمعات الغربية كان مطروحا بقوة خلال سنوات الثمانينات والتسعينات. فمن خلال عمليتين انتحاريتين فى لبنان خرجت القوات الأمريكية من المنطقة فى 1983. وكذلك كان تدمير السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا (أغسطس 1998) مفاجأة للمخابرات. ولم تستطع أقمار الاستطلاع الأمريكية اكتشاف التحضيرات الخاصة بالتجارب النووية الهندية فى يونية 1998. ثم أُخذت المدمرة الأمريكية كول على غرة أثناء وجودها فى ساحل عدن باليمن فى 12 أكتوبر 2000.
هـ. واجهت الولايات المتحدة بعد الحدث مباشرة أزمة مصداقية وأزمة ردع شملت نظرة الداخل الأمريكى لكفاءة قواته المسلحة ومؤسساته الأمنية والمعلوماتية، وامتدت الأزمة إلى نظرة الحلفاء والأصدقاء للقوة الأمريكية والفكر العسكرى والاستراتيجى الذى تقوم عليه.

2ـ التخطيط للحرب
واجه التخطيط للحملة العسكرية الأمريكية ضد أفغانستان صعوبات أساسية تمثلت فى طبيعة الهدف المطلوب تحقيقه وهو الإمساك بأسامة بن لادن حيا أو ميتا، وتدمير تنظيم القاعدة والقبض على أعضائه، ثم الإطاحة بنظام طالبان وإقامة نظام حكم بديل له فى كابول. وتركزت الصعوبات الأخرى فى الطبيعة الجغرافية لأفغانستان، من حيث استحالة الوصول إليها برا أو جوا بدون المرور بدول أخرى، وقسوة أراضيها الجبلية وما تمثله من صعوبة حقيقية لأية حملة برية، وما تمنحه للخصم الموجود على الأرض من ملاذ آمن ليس من السهل اكتشافه أو الوصول إليه.
وبهدف الوصول إلى خيار مناسب لسيناريوهات الحملة العسكرية، طرحت القيادة السياسية والعسكرية فى الولايات المتحدة على بساط البحث عددا من الخيارات:
الأول: الاكتفاء بالحملة الجوية وتوجيه ضربة كاسحة من صواريخ الكروز والمقذوفات الموجهة الدقيقة بواسطة الطائرات القاذفة مثل ب-52 و ب-2. وميزة هذا الخيار أنه يجنب الولايات المتحدة التعرض لخسائر بشرية، لكنه لا يحقق هدف الوصول إلى بن لادن إلا إذا قامت طالبان بتسليمه تحت وقع الضرب الجوى.
الثانى: غزو أفغانستان واحتلالها بالكامل باستخدام القوات البرية والجوية معا. وكان واضحا أن هذا الخيار يحتاج إلى أعداد كبيرة من الجنود وإقامة قاعدة أمريكية داخل الحدود الأفغانية والتخطيط للدفاع عنها.
الثالث: الاعتماد بشكل رئيسى على قوات الجبهة الموحدة لتحالف الشمال عدوة طالبان الأساسية والتى تمتلك قوة قوامها حوالى 20000 رجل متمركزين فى أماكن حاكمة بالنسبة للعاصمة (على مسافة 50 كم) وباقى مناطق أفغانستان. وكان من الواضح أن تحالف الشمال يمكنه بالإضافة إلى ما سبق تقديم عدد من الخدمات الحيوية للحملة الأمريكية مثل توفير المعلومات عن قوة طالبان وأماكن تمركزها وطريقتها فى القتال وشبكة القيادة التابعة لها، وتقديم الدعم والتوجيه العملياتى للقوات الأمريكية، كما يمكنه المساعدة فى فتح الطريق إلى إقامة حكومة مؤقتة موسعة بدعم من المجتمع الدولى.

فى كل السيناريوهات السابقة كان الحصول على مساعدة باكستان جوهريا لنجاح الولايات المتحدة فى هذه الحرب، وكذلك باقى دول الشمال التى كانت تابعة من قبل للاتحاد السوفييتى. وكانت باكستان قد واجهت خيارا صعبا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، لكنها وافقت على التعاون غير المحدود مع الولايات المتحدة، بما فى ذلك فتح المجال الجوى أمام الطائرات والصواريخ الأمريكية، وتبادل المعلومات، وتقديم دعم لوجستى للقوات الأمريكية يشمل استعمال قاعدتين جويتين فى يعقوب أباد وفى باسنى واستخدامهما فى حالات الطوارئ والإنقاذ. ثم قام الرئيس مشرف بعمل تغييرات أساسية فى قيادة القوات المسلحة الباكستانية وفى أجهزة المخابرات. وفى مقابل ذلك رُفعت كل صور الحظر عن باكستان وقدمت الولايات المتحدة لها دعما ماليا وقرضا من البنك الدولى قدره 379 مليون دولار مع تأجيل فى السداد وإعادة جدولة الديون.
استقر الأمر فى النهاية على شن حملة جوية مع تكثيفها لأقصى درجة ممكنة، والاستعانة بقوات تحالف الشمال المعارضة لحركة طالبان بعد إمدادها بالسلاح، واستخدام القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية للقيام بعمليات مفاجئة على الأرض لإنجاز مهمة البحث عن بن لادن والُملا عمر وباقى قيادات حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

3. تطورات العمليات الحربية
بدأ الهجوم على أفغانستان فى السابع من أكتوبر2001، وبالرغم من صعوبات البداية، جرت المرحلة الأولى من الحملة العسكرية وسط ظروف سياسية مواتية تمثلت فى تأييد كل المنظمات الدولية الكبرى للولايات المتحدة فى حربها ضد ما سمى بمواجهة الإرهاب، إضافة إلى تأييد الدول المجاورة مباشرة لأفغانستان. ومنذ اللحظة الأولى ساند حلف الناتو بقوة وبسرعة الولايات المتحدة فى الكارثة التى ألمت بها.
وفى تطور غير مسبوق، قام حلف الناتو بدفع 5 طائرات أواكس إلى الولايات المتحدة لحماية الأرض الأمريكية نفسها، ونشر 9 قطع بحرية من أسطول المتوسط التابع له NATO's Standing Naval Force Mediterranean (STANAFORMED) فى شرق البحر المتوسط لمراقبة الوضع وإبراز تصميم الحلف وتأييده للولايات المتحدة الأمريكية. ووافقت باقى دول الناتو الثمانى عشرة على كل مطالب الولايات المتحدة الأخرى مثل: استخدام مجالها الجوى والفضائى وقواعدها الجوية والموانئ وتسهيلات التزود بالوقود. كما تولى حلف الناتو تأمين القوات الأمريكية والبعثات الدبلوماسية الأمريكية فى أوروبا وتحمل مهام أية قوة أمريكية يتم سحبها من البلقان لأغراض الحرب فى أفغانستان. كما وضعت لجان الناتو المتخصصة فى حالة تأهب واستنفار لتقديم المشورة العسكرية للعمليات وخاصة ما يتصل منها بالحرب الكيماوية والبيولوجية.
وأبدت فرنسا وألمانيا رغبتهما فى المشاركة فى الحرب برغم أوضاعهما الخاصة داخل الناتو وتبعتهما أسبانيا وإيطاليا. وواجهت اليونان بعض المشاكل لوقوف اليونانيين ضد الحرب فى أفغانستان. أما تركيا فقد بدت متحمسة للمشاركة، لكنها لم تتحمس لمد الحرب إلى بلاد أخرى. وبالنسبة لبلجيكا فلم تبد رغبة فى إرسال قوات أكثر من مشاركتها القائمة فى قوات حفظ السلام للأمم المتحدة وذلك لأسباب مالية، ولحاجتها إلى مزيد من القوات لحفظ أمنها الداخلى. وأبدت دول مثل كندا والدانمارك وهولندا مواقف مماثلة. وبالنسبة للدول الجديدة فى حلف الناتو، فقد عرضت بولندا أن تأخذ أماكن القوات المنسحبة من البلقان، وقدمت جمهورية التشيك معدات للحماية من الحرب الكيماوية. لكن المجر ظلت صامته.
أما الدعم المباشر للحملة العسكرية فكان كبيرا بكل المقاييس، فمن الاشتراك المباشر فى العمل العسكرى بجانب الولايات المتحدة مثل بريطانيا، إلى تقديم المعلومات والدعم اللوجستى والقواعد العسكرية ومراكز تجميع وانطلاق القوات وحق استخدام المجال الجوى للمرور أو شن الهجمات. بالإضافة إلى ما سبق، ساهمت بعض الدول بتقديم العون فى مجال الجهود الإنسانية ورعاية اللاجئين. ويمكن القول أن دعم باكستان الكامل للحملة العسكرية الأمريكية كان نقطة تحول رئيسية فى مسار الأحداث لصالح الولايات المتحدة. ويوضح جدول رقم (2) مشاركات عدد من الدول الغربية فى الحملة ضد أفغانستان.

جدول رقم (2)
مشاركات الدول فى الحملة العسكرية الأمريكية ضد أفغانستان

الدعم المقدم للحملة العسكرية الأمريكية الدولــة
ـ 2 غواصة حاملة للصواريخ الكروز (Trafalgar and Triumph) ـ طائرات تموين بالوقود VC-10 and Tristar tanker fleet ـ 2 طائرة استطلاع PR9 reconnaissance aircraft ـ طائرة استطلاع إلكترونى نمرود Nimrod R1 electronic intelligence ـ طائرة للإنذار المبكر E-3D airborne warning and control system المملكة المتحدة
ـ وحدة من القوات الخاصة من 150 فردا ـ 2 طائرة للتزود بالوقود فى الجو B707-338C ـ سفينة نقل برمائية Amphibious transport ship أستراليا
ـ 18 سفينة قتال حربية 18 Surface combatants ـ 3 طائرات نقل ثقيلة 3 CC-130 Hercules transport aircraft ـ 1 طائرة نقل استراتيجية من طراز بولاريس CC-150 Strategic Lifter ـ 2 طائرة دورية بحرية Two CP-140 Aurora maritime patrol aircraft ـ وحدة مقاومة إرهاب Joint Task Force-2 counter-terrorism unit كنــدا
ـ طائرات استطلاع استراتيجى Mirage IVO strategic reconnaissance fighter ـ طائرة استطلاع إلكترونى C-160G Gabriel electronic-intelligence aircraft ـ سفينة جمع معلومات Bougainville intelligence gathering ship ـ أقمار تصوير فضائى واستطلاع Helios 1A and 1B، Clementine Cerise ـ قوات خاصة فرنســـا
ـ 6-8 طائرة تورنادو للاستطلاع التكتيكى 6-8 Tornado multirole aircraft for tactical reconnaissance missions ـ 1 طائرة تموين بالوقود one Boeing 707-328B/-3F%C ـ طائرة نقل تكتيكية C-130H tactical transport aircraft ـ 2 فرقاطة Two Maestrale-class frigate ـ سفينة إمداد بالوقود Fleet replenishment vessel ـ عرضت إيطاليا تقديم دعم بقوات برية عند الحاجة: فوج مدرع (2سرية دبابات سينتوريون، كتيبة مشاة، 4 هليوكوبتر، وحدة حرب كيماوية: نووية، كيماوية، بيولوجية)ـ وحدة إمداد وتموين.ـ 4000 فرد لحماية الأهداف الحساسة داخل إيطاليا إيطاليــا
ـ أجرت اليابان عددا من التعديلات السريعة فى قوانينها لتتمكن من تقديم دعم عسكرى للولايات المتحدة. وسمحت هذه التعديلات بالآتى:* تقديم دعم لوجستى فى المناطق الخلفية لمسرح العمليات وخاصة مهام النقل* حماية القوات الأمريكية فى اليابان (كان قاصرا من قبل على قوات البوليس)* السماح لقوات حماية الشواطئ بفتح النيران على السفن والقطع البحرية المشتبه فيها. اليـابان
ـ قررت تركيا فى 1 نوفمبر بناء على طلب أمريكى فى 26 أكتوبر إرسال 90 رجلا من القوات الخاصة لتدريب قوات تحالف الشمال نظرا لعلاقات تركيا الخاصة العرقية بهذه القوات. تركيـا


أ. المرحلة الأولى.. الحملة الجوية أو القصف الكثيف
بدأت الحملة الجوية بالهجوم على وسائل الدفاع الجوى ومخازن الذخيرة والمدفعية والعربات المصفحة ومعسكرات التدريب ووحدات السيطرة والتحكم. وركزت الغارات على تدمير الأعداد المحدودة من الطائرات والمروحيات والمطارات المتوفرة لطالبان. وأشارت تقارير غير مؤكدة إلى أن طالبان كان فى حوزتها قبل بدء العمليات 3 بطاريات من صواريخ سام ـ3 (بيتشورا) المضادة للطائرات، وحوالى 24 طائرة ميج ـ21 من بينهما 6 فقط كانت صالحة للطيران، وعدد غير محدد من صواريخ استنجر Stinger الأمريكية المضادة للطائرات وصواريخ أرض-أرض سكود قصيرة المدى مما سبب بعض القلق للأمريكيين. إلا أن هذه المعدات والأسلحة كانت على الأرجح غير صالحة للاستعمال، وكان فى حوزة طالبان بالإضافة إلى ما سبق مدافع مضادة للطائرات محمولة فوق عربات نقل صغيرة . أما عدد جنود طالبان الموجودين على خط المواجهة مع قوات تحالف الشمال فقدر مجموعهم بحوالى عشرين ألف رجل.
اتسم عمل الحملة الجوية الأمريكية بالهجوم على ثلاثة مستويات (Layered attack)، كل مستوى يعمل عليه حزمة من الأسلحة تُطلق من مدى مختلف: المدى البعيد Long range من خارج حدود الأرض الأفغانية، والمدى المتوسط من خارج مدى اشتباك عناصر الدفاع الجوى Standoff ، والمدى القصير للضرب المباشر Direct attack . ويوضح الجدول رقم (3) نوعيات الأسلحة والذخيرة التى استخدمتها الولايات المتحدة فى حملتها الجوية تبعا لمستويات الهجوم الثلاثة. وقد استخدم فى حمل هذه الأنواع من الذخيرة والصواريخ الطائرات الآتية:
* القاذفات الثقيلة بعيدة المدى: B-B1 Lancer ، B-2A Spirit Stealth ، B-52H
* طائرات البحرية المحمولة على حاملات الطائرات: F-14 Tomcat ، F/A-18 Hornet ، Strike Aircraft

جدول رقم (3)
مستويات الهجوم فى الحملة الجوية والأسلحة المستخدمة

الذخيرة أو الســـلاح المـــدى
ـ صواريخ الكروز من السفن أو الغواصات Ship -and-submarine-launched RGM/UGM-109 B/CT Tomahawk land-attack cruise missiles.ـ صواريخ الكروز المحمولة جوا بالقاذفات الثقيلة مثل الطائرة ب ـ 52، والطائرة ب ـ 2 Conventional Air Launched Cruise Missile (CALCM) المدى البعيدخارج الأرض الأفغانيةLong range
يطلق على هذه المجموعة بشكل عام الذخيرة الموجهة الذكية ذات الدقة العالية Precision Guided Munitions (PGMs) ولقد زاد من دقة هذه المجموعة استخدامها نظام الملاحة الفضائى GPS فى التوجيه إلى الهدف وتتكون من:- صواريخ جو-أرض Joint Air-to-Surface Standoff Missiles AGM-154 - صواريخ الهجوم الأرضى Standoff Land Attack Missiles (SLAM) AGGM-84H خارج مدى الدفاع الجوىStandoff
هذه المجموعة من الصواريخ والقنابل كانت الأكثر استخداما فى الحرب الأفغانية نتيجة لضعف إمكانيات الدفاع الجوى مما سمح فى وقت قصير من الطيران فوق الهدف والاقتراب منه وتدميره بشكل مباشر. وتعتمد تلك الذخيرة فى توجيهها على نظام الملاحة الفضائى أو على الطرق التقليدية التى تعتمد على أجهزة الطائرة أو مهارة الضارب Man-in-the-loop ، بالإضافة إلى قدرة الذخيرة على تمييز خصائص معينة فى الهدف : رادارية أو بصرية أو حرارية مثل:- الذخيرة المشتركة للضرب المباشر Joint Direct Attack Munitions (JDAM)- الصواريخ المضادة للرادار Anti-radiation missiles - مجموعة القنابل الموجهة بالليزر GBU-10، GBU-12، GBU-16، GBU-24، GBU-27، GBU-28 - الصاروخ هاف-ناب Have Nap or AGM-142 الموجه بالرادار لسد فتحات الأنفاق بالانفجار عند فتحته ويمكن إطلاقه من مسافة 80 كم من الهدف.- الذخيرة الموجهة الخارقة للأهداف الحصينة GBU-37، GBU-28ـ الأنواع المطورة من هذه القنابل مزودة بوحدة تفجير ذكية لتحديد المسافة المناسبة لتفجير الرأس داخل الهدفHard Target Smart Fuse (HTSF) ويتراوح سمك الجدار الحصين الممكن اختراقه بين 1.2-3 متر.- مجموعة القنابل التقليدية غير الموجهة Mk-82، Mk-83، Mk-84، BLU-109، CBU-87 - الرؤوس الحربية هواء-غاز Fuel-Air Explosive وتقوم بعمل سحابة ضخمة فوق الهدف من وقود خاص وعند إشعاله ينتج موجة ضغط هائلة تؤدى إلى تفريغ الأكسيجين من الهواء وتدمير التحصينات ومود الأفراد الموجودة داخلها. ويمكن حمل هذه الرؤوس بواسطة الطائرات والصواريخ والطائرات بدون طيار.- سلاح تدمير المخابئ الحصينة المحمول بواسطة الأفراد XM-141 Shoulder-Mounted Bunker Defeat Munitions ويستخدم بواسطة الأفراد فى اقتحام المخابئ الحصينة ويمكن إطلاقه من مسافة 15-450 مترا. صواريخ وقنابل الضرب المباشرDirect Attack Munitions


وبرزت أيضا فى تلك المرحلة من الحرب الجوية سفينة المدفعية C-130U وهى طراز معدل من طائرة النقل المعروفة C-130H ، بعد تزويدها بوسائل نيران وأجهزة تنشين لدعم القوات البرية ومهاجمة الأهداف الأرضية بدقة وبقدر أقل من الأضرار الجانبية. واستخدم أيضا فى تلك المرحلة من الحرب وسائل الحرب النفسية بإلقاء الطعام والمؤن والمنشورات. كما نفذت أيضا أول عملية برية منذ أن بدأت الحرب أخذت النمط التجريبى بإدخال 100 جندى من قوات الرينجرز الأمريكية الخاصة إلى أفغانستان مساء 19 أكتوبر 2001، حيث هاجمت هدفا قرب مدينة قندهار واستمرت المعركة مع قوات طالبان لعدة ساعات قبل أن تنسحب طائرات الهليكوبتر والجنود إلى حاملة الطائرات كيتى هوك.
أخذت الحرب خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر صورة السيطرة الجوية الشاملة للولايات المتحدة ومحاولات مستمرة من طالبان للانتشار وإخفاء المعدات داخل المدن وبالقرب من المناطق السكنية. وقد استخدمت طالبان وسائل خداع وإخفاء بسيطة مقارنة بما واجهته الولايات المتحدة فى حرب الخليج أو حرب كوسوفو، لكنها أربكت إلى حد كبير عمليات الكشف عن الأهداف وتمييزها بالنسبة للمعدات التى تم إخفاؤها فى الكهوف والجبال. ولم يحدث أن قامت طالبان بتجميع نيرانها فى شكل من أشكال المواجهة المباشرة، بل اتجهت إلى محاولة الحفاظ على أسلحتها المحدودة بأمل استخدامها فى مراحل الحرب التالية. ونتيجة لذلك قررت الولايات المتحدة الاقتراب بهجماتها من المدن، لكن أخطاء فى عمل نظم توجيه الصواريخ تسببت فى أكثر من حادثة قتل للمدنيين على مشارف مدينتى كابول وحيرات.
وفى 21 أكتوبر 2001 بدأ تصعيد الهجمات الجوية على امتداد الجبهة الفاصلة شمال كابول بين قوات تحالف الشمال وطالبان. واستخدمت القوات الأمريكية الطائرات F/A-18 والطائرة B-52H فى ضرب قوات طالبان فى وادى شومالى شمال كابول بالذخيرة الموجهة الذكية الدقيقة Precision-Guided Munitions ، وكذلك هاجمتهم حول مدينة قندوز ثم اقتربت الغارات من منطقة مدينة مزار الشريف شمال أفغانستان.
وفى الأيام الأولى من نوفمبر بدأت قوات التحالف فى الاستعداد للحرب البرية باستكمال معدات وذخيرة ألوية المشاة الخمسة التى فى حوزتها، بالإضافة للواء من جنود الحرس موجود فى وادى بانشير. ويتكون كل لواء من أربع كتائب (300-400 رجل) ووحدة مدرعات. وقبل أن يبدأ الهجوم البرى كانت القوة البشرية لتحالف الشمال قد وصلت إلى حوالى 6000-8000 رجل فى مواجهة قوة من طالبان تدافع عن العاصمة تراوح عددها بين 7000-10000 رجل.

ب. المرحلة الثانية .. التحول للحرب البرية وانهيار طالبان
فى السادس من نوفمبر 2001 بدأت الحرب فى أفغانستان تأخذ شكلا جديدا بعد شهر كامل من القصف الأمريكى الجوى المستمر بدون أن تحدث تغييرات جوهرية على موقف القوى المتصارعة، اللهم إلا إنهاك قوات طالبان وتدمير قدراتها العسكرية داخل المدن والمناطق المحيطة بها. فى هذا اليوم تقدمت قوات تحالف الشمال مصحوبة بدعم جوى كثيف من القوات الأمريكية داخل المناطق الجبلية فى اتجاه جنوب مدينة مزار الشريف واستولت على أق كوبروك فى 6 نوفمبر ثم شمالا إلى شولجاريه فى 8 نوفمبر ثم مباشرة إلى مدينة مزار الشريف نفسها.
دافع عن المدينة من قوات طالبان حوالى 5000 ـ6000 جندى انضم إليهم حوالى 500 ـ1000 من المتطوعين الباكستانيين فى مواجهة 8000 ـ10000 من الجنود الطاجيك تحت إمرة الجنرال عبد الرشيد دوستم، وقاد قوات طالبان الُملا عبد الرزاق نافع متحصنا بعدد من النقاط القوية المحيطة بالمدينة. وبعد سقوط مزار الشريف، اندفعت القوات فى اتجاه العاصمة كابول فسقطت المدينة بعد سقوط مزار شريف بعدة أيام فقط. ومن المعتقد أن عدد قوات طالبان وحلفائها من تنظيم القاعدة الذين دافعوا عن العاصمة كابول اقترب من 15000 جندى يدعمهم حوالى 40-50 دبابة ثقيلة و20 قطعة مدفعية صاروخية عيار 122 مم. وأدى اقتحام المدينة إلى تدمير حوالى 15 دبابة وعربة مصفحة، وقتل من رجال طالبان ما يقرب من 1000 جندى.
بعد أن استولت قوات التحالف على كابول فى 13-14 نوفمبر أصبح لها داخل المدينة حوالى 6000 رجل، من بينهم ألفا رجل أوكل إليهم أعمال البوليس والأمن الداخلى بمساعدة قوات من لواء الحرس الوطنى تمركزت فى تقاطعات معينة داخل المدينة. وأتاح سقوط المدينة الحصول على وثائق تشير إلى العلاقة الوثيقة بين تنظيم القاعدة والحركة الإسلامية فى أوزبكستان ووزارة دفاع طالبان.
جاء انهيار حركة طالبان وسقوطها السريع مثيرا لكثير من الدهشة والتساؤلات عن أسباب هذا الانهيار. وهو ما يمكن إرجاعه إلى حقيقة أن الخيارات العسكرية والسياسية كانت قليلة أمام قادة الحركة السياسيين والميدانيين. فالاستيلاء على المدن كان يبدأ بدك المدينة تماما بواسطة الطائرات الأمريكية، مما جعل المدن مصيدة حقيقية بالنسبة لحركة طالبان، وجعلها تقرر الانسحاب من داخل المدن إلى أماكن أخرى أكثر أمنا. وأبدت قوات طالبان صلابة أكبر فى الدفاع عن مدينة قندوز آخر المدن الكبرى فى شمال أفغانستان، ولم تسقط أيضا مدينة قندهار معقل حركة طالبان إلا بعد قتال مرير ومفاوضات مضنية بين قوات طالبان وقوات قبائل الجنوب الباشتونية التى قررت إزاحة حركة طالبان والتخلص منها حفاظا على ما تبقى من المدينة وبنيتها الأساسية.

ج. المرحلة الثالثة.. استقرار القوات المهاجمة والبحث عن بن لادن
بدأت الولايات المتحدة فى الأيام الأولى من ديسمبر 2001 فى نشر قوات من مشاة الأسطول القادرين على القيام بعمليات خاصة مثل الوحدة الخامسة عشرة والوحدة السادسة والعشرين. وصل عدد جنود هذه التشكيلات إلى حوالى 1000 جندى، الأمر الذى سمح بتكوين قاعدة عسكرية متقدمة فى أفغانستان. اختارت القيادة الأمريكية مكان القاعدة على مسافة 100 كم جنوب غرب قندهار بصورة تتيح اعتراض أية تحركات محتملة لقوات طالبان المتبقية. وتتميز هذه النوعية من الوحدات الخاصة بقدرتها على أن تكون جاهزة للعمل فى ظرف 6 ساعات من وقت تسلم المهمة، وأن تظل مكتفية ذاتيا لمدة 15 يوما، ولمدة 30 يوما إذا وصل تشكيل الوحدة إلى لواء كامل.
وقد تركزت العمليات العسكرية خلال الأسبوعين الأولين من ديسمبر فى منطقة تورا بورا شرق أفغانستان، حيث اختبأ فى أنفاقها من تبقى من مقاتلى طالبان وتنظيم القاعدة، وقامت القوات الأمريكية بدك تلك الكهوف والأنفاق بالقنابل الثقيلة واقتحامها بواسطة القوات الأفغانية والقوات الخاصة الأمريكية. بدأ الهجوم على منطقة تورا بورا فى 2 ديسمبر 2001 باشتراك عناصر من القوات الخاصة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية وصل عددهم إلى 200 فرد. واعتمد القتال البرى على المقاتلين الأفغان. أما دور القوات الخاصة الأمريكية وعناصر المخابرات فقد انحصر فى جمع المعلومات حول المواقع التى يشتبه اختفاء أسامة بن لادن فيها أو تجمعات أفراد طالبان والقاعدة ثم إيصال هذه المعلومات إلى القاذفات الأمريكية لقصفها. واستخدمت القوات الأمريكية فى تلك المرحلة من الحرب قذائف صاروخية متطورة موجهة يمكنها اختراق الأرض وسد منافذ الأنفاق والكهوف.
استمرت حرب الولايات المتحدة فى أفغانستان لفترة تربو على الشهرين، إلا أن أصوات الرصاص لم تخفت تماما حتى مطلع العام 2002 ، حيث لم يتم حتى هذا التاريخ القبض على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة أو الُملا عمر زعيم حركة طالبان. وهما هدفان رئيسيان حددتهما الولايات المتحدة للحرب فى أفغانستان لم يتحققا، فيما بدأت جهود دولية تحت رعاية الأمم المتحدة لإقامة حكومة أفغانية انتقالية بدلا من حكومة طالبان التى أقصيت عن الحكم، وتشكيل قوة دولية للمساعدة الأمنية. ( انظر التفاصيل فى القسم الخاص بالتسوية السياسية للأزمة الأفغانية - صفحة 83 )

ثالثا: الدروس الاستراتيجية والعسكرية للحرب الأفغانية
هناك ثلاثة متغيرات جوهرية يجب أن تؤخذ فى الحسبان عند الحديث عن الدروس المستفادة من الحرب الأفغانية مقارنة بحرب الخليج 1991 وكوسوفو، وهما حربان خاضتهما الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة وبعد أن أصبحت القوة العظمى الوحيدة فى العالم:
المتغير الأول أن الحرب الأفغانية جاءت ردا على اعتداء وهجوم تعرضت له أمريكا نفسها وليس أحدا من حلفائها أو أصدقائها كما هو الحال فى حربى الخليج وكوسوفو. ومن هذه الزاوية سوف تكشف دروس الأزمة عن جوانب ضعف فى الجانب الأمريكى نفسه تجلت فى قصور قدرته على التنبؤ بالحدث برغم إرهاصات كثيرة كانت منذرة، وفى قصور التصدى له وإحباطه عند حدوثه. وعلى المستوى الأكبر كشفت الأزمة عن خلل فى الرؤية الأمنية للولايات المتحدة من ناحية تعريف التهديدات وتحديد أولويات التصدى لها.
المتغير الثانى أن الحرب الأفغانية لم تكن بين الولايات المتحدة ودولة عضو فى النظام الدولى مثل العراق ويوغوسلافيا، ولكن مع تنظيم عالمى اتخذ أفغانستان قاعدة له. وهذا المتغير يعنى أننا أمام حرب غير تقليدية، وأنها قد تكون لها بداية واضحة لكنها بسبب طبيعة العدو الشبكية الخاصة لن يكون لها نهاية محددة حاسمة أو قريبة، كما أن أدوات الحرب وأساليبها سوف تكون مختلفة.
المتغير الثالث أنه بخلاف حربى الخليج وكوسوفو، طغت على الأزمة وعلى إدارتها السياسية والعسكرية جوانب دينية وثقافية وعناصر تتصل بالهوية الحضارية لكل طرف لم تكن مطروحة من قبل بمثل هذه الحدة والقوة.
وفى إطار هذه المتغيرات يمكن استعراض عدد من الدروس والنتائج للحرب الأفغانية، علما بأن الحدث نفسه وحتى نهاية العام 2001 لم ينته بعد، لا على المستوى السياسى ولا على المستوى العسكرى.
فبالنسبة للمستوى السياسى والاستراتيجى يمكن الإشارة إلى الدروس التالية:
* خطورة تجاهل الطبيعة العالمية للإرهاب وأسبابه وضرورة تطوير الأدوات والآليات الفعالة المناسبة لمقاومته فى إطار تحالف دولى قوى ومتماسك.
* يعود ما حدث فى جزء منه إلى أحادية التعامل مع عالم ما بعد الحرب الباردة وتركيز الولايات المتحدة وأوروبا على منطقة شرق أوروبا وإهمالها للتفاعلات التى تجرى فى باقى مناطق العالم. الأمر الذى أدى إلى تفكك بعض الدول تحت وطأة الضغوط السياسية والاقتصادية وتحولها إلى قاعدة اختبار وملاذ آمن للجماعات المتطرفة والتنظيمات التى تعمل وفق محددات دينية أو فكرية أو ثقافية مختلفة.
* أبرزت الأزمة خطر القضايا والأزمات المفتوحة والعمليات السياسية التى تُترك وشأنها فى وسط الطريق بدون نهاية حاسمة. فقد أثبتت الأزمة الأخيرة أن أفغانستان بعد أن شهدت أحد الفصول الهامة لمعارك الحرب الباردة قد أُهملت وتُركت لشأنها بعد انتهاء الحرب. وكان ظن الولايات المتحدة والغرب بشكل عام أن الخطر سوف يظل محصورا داخلها ولن يصل بحريقه إلى أمريكا صاحبة مشروع الجهاد الإسلامى هناك ضد الاتحاد السوفييتى. والمنطق نفسه ربما يقود إلى انفجار الصراع فى الشرق الأوسط، وحال من الفوضى والتضارب بشأن الموقف من أزمة العراق مع الأمم المتحدة ما لم توضع لها نهاية واضحة.
* سلطت الأزمة الضوء على قضية الأمن فى عصر العولمة وأهمية معالجة ثغرات كثيرة فى عملية التحول الكبرى التى يمر بها العالم، وخاصة حرية انتقال الأفراد والأموال والأفكار وربط كل ذلك بسلامة الفرد والدولة.
* بروز مفهوم أمن الداخل Homeland Defense فى الولايات المتحدة واعتباره جزءا من مهام القوات المسلحة بجانب المؤسسات المدنية الأخرى. والهدف حماية الأرض الأمريكية والمواطنين ضد التهديدات الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية وحماية البنية التحتية المعلوماتية والأرض الأمريكية ضد الصواريخ الباليستية.
* أثبتت الأزمة ضعف النظام الإقليمى والدولى فى معالجة القضايا الإقليمية ذات الآثار العالمية وعدم قدرتهما على التحرك الفعال بدون الولايات المتحدة الأمريكية، كما أثبتت خلو الساحة الدولية من منافس استراتيجى لها حتى الآن.

وعلى الصعيد العسكرى يمكن الإشارة إلى الدروس والنتائج الآتية:
(1) اتسمت الحرب بمهارة المزج بين الإجراءات العسكرية وغيرها من الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية. أما الإجراءات العسكرية نفسها فكانت مزيجا من العمليات الجوية والبرية والبحرية.
(2) أخذت القوات البرية صورة القوة الخاصة المساعدة للقوة الجوية فى تحديد الأهداف وتقييم الأوضاع على الأرض وحفظ الأمن، ومن ناحية أخرى قامت بعمليات هجومية على أهداف محصنة مختفية تحت الأرض على مسافات بعيدة. وطرح استخدام القوات البرية فى حرب أفغانستان أهمية تحويلها إلى قوة رقمية دقيقة مثل القوة الجوية وربطها بوسائل الملاحة والاتصال والتسليح الخاصة بالقوة الجوية والبحرية للعمل كمنظومة واحدة. وكان هذا المشروع بالفعل جزءا من خطط التطوير التجريبية الجارية فى الولايات المتحدة تحت اسم القوة 21. وهذه النتيجة ليست قاصرة فقط على الحروب المماثلة فى الظروف لحرب أفغانستان، بل يبدو أنها نتيجة عامة تركز فى الأساس على أهمية الوصول إلى حالة توازن بين استخدام القوة الجوية والبرية بصورة تسمح بحسم المعركة على الأرض، من خلال شكل جديد للقوة البرية يساعدها من ناحية على التكامل مع القوة الجوية فى شكلها الجديد، ويعطيها من ناحية أخرى إمكانيات التعامل مع الأهداف المنتشرة والمختبئة داخل أماكن حصينة. وهى أوضاع نشأت نتيجة تطور خصائص القوة الجوية فى الرؤية والمدى والدقة. بمعنى أن تفوق القوة الجوية قد خلق أوضاعا على الأرض يجب أن تتولى معالجته القوة البرية فى شكلها الجديد.
(3) برز فى الحرب أهمية امتلاك أدوات فعالة لمراقبة مسرح العمليات لفترات طويلة، وإرسال المعلومات التى يتم جمعها بواسطة هذه الأدوات إلى أسلحة الجو والبر والبحر بصورة مباشرة وفى الوقت الحقيقى ذاته لحدوثها. وقد شهدت حرب أفغانستان ولأول مرة نقلا حيا ومباشرا لصورة مسرح العمليات من خلال الطائرة بدون طيار بريديتور Predator إلى المقاتلات الأمريكية F-16، وسفينة المدفعية C-130U والمقاتلات F/A-18 . وتمثلت النتيجة المباشرة فى إمكانية انطلاق تلك الطائرات إلى أهدافها مباشرة بدون انتظار معلومات إضافية من مراكز القيادة والسيطرة على الأرض. وفى الوقت نفسه قامت طائرات الاستطلاعE-8 و RC-130 وE-3 والطائرة بدون طيار Developmental Global Hawk بمراقبة ميدان المعركة ونقل المتغيرات المستجدة فى صورته بشكل مستمر بكل ما فيها من تفاصيل للاستفادة بها بواسطة القوات والقادة السياسيين والعسكريين. ومن المعروف أن تلك الطائرات بدون طيار قد شاركت فى حرب كوسوفو وقامت بواجب نقل صور لأهداف حساسة، لكن دورها لم يكن فى ذلك الحين متكاملا مع الخطة العامة للعمليات ومع باقى المنظومة العسكرية كما حدث فى حرب أفغانستان.
بيد أن هناك بعض المشاكل يفترض أنها خاضعة لعملية بحث مكثف من أجل التوصل إلى حلول لها مثل: تحسين عملية التهديف، وزيادة عدد الوحدات من هذه الطائرات فوق المسرح، وتحسين القدرة على رصد الأهداف المتحركة فى الطقس السيئ والضباب الكثيف. والمطلوب فى النهاية هو امتلاك القدرة على القيام باستطلاع مستمر لا يتوقف، ونقل النتائج مباشرة إلى سلاح معين ثم إطلاق النار على الهدف وتقييم حالة الهدف بعد إصابته. فطائرات الاستطلاع بدون طيار تستطيع الآن التحليق لساعات طويلة، وقد حققت هذه القدرات الجديدة الأمل خلال حرب أفغانستان فى الارتقاء بمستوى عملية التهديف targeting (رؤية الهدف + التعرف عليه + تخصيص سلاح له + توجيه النيران عليه وإصابته + تقييم حالته بعد الضرب) إلى أقل زمن ممكن Time-Critical Targeting وهو ما يمكن أن نطلق عليه الهجوم اللحظي Instantaneous Attack ، أى بمجرد أن يرى القائد أن هذا الهدف يجب تدميره فسوف يدمره فى نفس اللحظة، وليس بعد وقت قد يمتد لساعات.
(4) زادت أهمية الطائرات بدون طيار وأصبحت أكثر اندماجا فى العمليات الفعلية والتخطيط لها. وانعكاسا لهذا الاهتمام تخطط البحرية الأمريكية فى ضوء نتائج الحرب لشراء 28 طائرة من طراز جلوبال هوك Global Hawk خ خلال السنوات الست القادمة. وأيضا تبدى القوات الجوية اهتماما مماثلا، وتنوى فى سبيل ذلك إنفاق حوالى 1.55 بليون دولار لشراء سبعين طائرة من طرازات مماثلة. وأهم ما يجرى الآن هو وضع مواصفات تفصيلية لتلك المركبات فى ضوء طبيعة المهام التى سوف توكل إليها مستقبلا، ويقع على قمة المواصفات المطلوبة البقاء لفترة طويلة فى الجو Long endurance ، والعمل خارج منطقة النيران المضادة Standoff-off .
(5) مهدت عمليات حرب أفغانستان وبروز دور الطائرات بدون طيار فى هذه الحرب الطريق لدفع عمليات التطوير للطائرات المقاتلة بدون طيار Unmanned Combat Aerial Vehicle UCAV ، وسوف تشمل مهام هذه المركبات بجانب عمليات الاستطلاع القيام بعمليات قصف لأهداف عسكرية أو بشرية، وهى تماثل الصواريخ الكروز، لكن يتم قيادتها بمرونة أكبر عن بعد ولأوقات طويلة، وربما تبدأ مهمتها بمهمة بحث واستطلاع وعندما تجد هدفا يستحق القصف تقوم بالتعامل معه وقصفه بما تحمله من ذخيرة ثم تعود إلى قاعدة انطلاقها الأصلية. وتقوم شركة بوينج حاليا بتطوير طائرة من هذا النوع لصالح القوات الجوية.
(6) قامت طائرات الهليكوبتر بدور متميز فى أعمال نقل وقتال القوات الخاصة، ومهاجمة الأهداف بدقة وبدون أضرار جانبية واسعة، مع سهولة الانتقال من مكان إلى آخر لتعويض عدم وجود مطارات تصلح لإقلاع وهبوط الطائرات العادية.
(7) أثبتت العمليات أهمية حاملات الطائرات بالنسبة للمجهود الحربى الأمريكى برغم أن عددها داخل الترسانة الأمريكية قد انخفض فى السنوات الأخيرة لعدم بناء حاملات جديدة. فالحاملة تمثل مساحة حرة من الأرض الأمريكية، ومنصة للإقلاع وهبوط الطائرات، ونقطة بث للحرب الإلكترونية وانطلاق للقوات الخاصة والهليكوبتر.
(8) نتيجة لطبيعة الحرب الأفغانية وقيام القوات الخاصة بأدوار متعددة استطلاعية وقتالية، بدأ من الآن استخلاص الدروس بالنسبة لهذه القوات من ناحية أسلوب العمل وطبيعة المعدات التى يجب أن تزود بها. وقد أعلنت قيادة عمليات القوات الخاصة الأمريكية أنها تخطط لتزويد تلك القوات بقدرات جديدة فى ضوء الدروس المستفادة من عمليات القوات الخاصة فى أفغانستان. ومن أمثلة هذه الأسلحة:
* رادار خفيف الوزن محمول لرصد طلقات الهاون Counter-Mortar Radar وهو جهاز رادار محمول يمكن نصبه فى 30 دقيقة للتحذير من طلقات الهاون الآتية من كل الاتجاهات .
* طائرة بدون طيار يمكن طيها وتصغير حجمها Collapsible Unmanned Aerial Vehicle ، والمفروض أن تكون صغيرة الحجم رخيصة الثمن للعمل داخل المدن وفى المناطق الريفية.
* جهاز لإضاءة الأهداف بأشعة الليزر حتى يمكن أن تصل إليها القذائف الموجهة الدقيقة من الطائرات القاذفة. هذه الأجهزة سوف يستعملها الجنود لهذا الغرض وتكون خفيفة الوزن.
* أجهزة اتصال بين جنود القوات الخاصة تمكنهم من الاتصال ببعضهم البعض داخل المدن وفى الكهوف والجبال.
* بطاريات للطاقة صغيرة الحجم والوزن ويمكنها الإمداد بالطاقة لفترة طويلة.
* أجهزة تشويش وأجسام خداعية ومستشعرات للإنذار بهجوم الصواريخ.
(9) أظهرت الحرب أهمية وجود مخزون كاف من الذخيرة الدقيقة الموجهة بالليزر والأقمار الصناعية لضمان استمرار الإمداد خلال معركة طويلة.
(10) كان منطقيا أن تؤدى تلك الرؤية العسكرية التى تتوقع عدوا فى المستقبل يتجه إلى الانتشار والاختفاء تحت ضغط تفوق نيرانى ساحق فى المدى، وأيضا فى الدقة إلى تفكير الولايات المتحدة فى تطوير ذخيرة قادرة ليس فقط على الطيران لمسافة دقيقة والوصول إلى موقع الهدف بدقة، ولكن أيضا اختراق تحصيناته الصناعية أو الطبيعية داخل الجبال أو الكهوف. ومن تلك البداية بدأت الولايات المتحدة قبل حرب أفغانستان بعشر سنوات فى تطوير حزمة من الذخيرة ذات قدرات خاصة لاختراق الدشم الحصينة والقضاء على الأهداف المهمة داخلها، والتى إذا تركت لحالها سوف تنشط فى الوقت المناسب وتوجه ضربات مفاجئة. ومنذ انتهاء حرب الخليج 1991 وكرد فعل لدروسها دخل مجال الاستخدام مجموعة من الأسلحة امتلكت تلك القدرات بصورة متدرجة. وعندما جاءت حرب أفغانستان تركز الضوء على تلك الأسلحة مع وجود مسرح للعمليات مزدحم بمواقع كثيرة طبيعية استخدمت بواسطة طالبان وتنظيم القاعدة فى الاختفاء مثل منطقة تورا بورا وجارديز وغيرها. ومن الأمثلة المعروفة لتلك النوعية من الأسلحة المستخدمة ضد التحصينات:
? الصاروخ هاف Have Nap (AGM-142 Raptor) جو ـ أرض: يضرب من الطائرة B-52H ومنصات إطلاق أخرى واشترك فى تطويره شركات أمريكية (لوكهيد مارتين) وإسرائيلية (رافائيل) ويصل مداه إلى حوالى 100 كم ومر بمراحل تطوير متعددة لإعطائه قدرات جديدة ولتقليل تكلفة إنتاجه. والصاروخ له نوعان من الرؤوس الحربية، واحدة تولد موجة انفجارية وشظايا للأهداف السطحية (340 كجم) وأخرى لاختراق الأهداف المحصنة (363 كجم) ويصل وزنه الكلى إلى 1360 كجم. ويطلق على هذا السلاح فى إسرائيل Popeye ويمكن ضربه أيضا من الطائرة F-111 والطائرة F-4 . وقد دخلت الأجيال الأولى لهذا السلاح فى إسرائيل فى 1989 ثم فى الولايات المتحدة فى 1992 ومر بتجارب تطوير فى 1995 وفى 1997.
? القنبلة GBU-37 و GBU-28 : تنتمى القنبلتان إلى عائلة الذخيرة المضادة ضد الأهداف الحصينة المختفية تحت الأرض على مسافات بعيدة Hard and Deeply Buried Target Defeat (HDBTD) munitions . دخلت القنبلة GBU-37 الخدمة لأول مرة فى الولايات المتحدة فى 1998 وتحملها القاذفات B-2و F-15E. وتستخدم القنبلة GBU-37 رأس الاختراق BLU-113 المستخدمة فى القنبلة GBU-28 التى طورت من قبل على أساس خبرة حرب الخليج 1991. يتم توجيه القنبلة GBU-37 بالأقمار الصناعية أثناء طيرانها إلى الهدف وتصل دقتها إلى 6 أمتار أما القنبلة GBU-28 فيتم توجيهها بواسطة أشعة الليزر.
(11) من الدروس المهمة ضرورة التركيز على نشاط المخابرات والتجسس البشرى والتكنولوجى بصوره المختلفة، وتطوير أدوات التحليل، وتحسين التعامل مع المادة الخام للمعلومات ونشر نتائج التحليل على الجهات المهتمة بصورة أسرع.
(12) أكدت الأزمة كلها بكل تداعياتها المختلفة أهمية إعادة النظر فى سياسات الحد من انتشار التكنولوجيا العسكرية المتقدمة وأسلحة الدمار الشامل.



الأمن القومى، 4
الدفاع عن أرض الوطن، 4
المؤتمر السنوى الاستراتيجى، 4
الناتو، 2، 3، 8
حرب الخليج، 2، 5، 12، 17
حرب كوسوفو، 2، 12
عصر الدقة، 3، 4















عرض البوم صور الشهاب   رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من الأقوى في الحرب النفسية الدائرة بين الصهاينة وحماس؟ أبوسليم منتدى المقالات و الاحداث العربية و العالمية 3 26-01-09 01:17 PM
أخبار الإثنين 22 محرم---- محدث أبوسليم منتـدى الــمــواضـيـع الــعــامــة 23 20-01-09 03:29 AM
Ωالحرب العالمية الثانيةΩ @اني خيرتك فختاري@ منتـدى الــمــواضـيـع الــعــامــة 3 04-06-08 03:20 AM
الفنانة هالة تقف عارية احتجاجا على الحرب الآتي الأخير منتدى المقالات و الاحداث العربية و العالمية 15 14-03-07 07:27 PM
قصه الجرة المشقوقة ودرس أخلاقي ريتاج منتـدى الــمــواضـيـع الــعــامــة 6 20-01-07 11:01 PM


الساعة الآن 08:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL