مناضل من بني عقبة
ولد الشيخ إبراهيم محمد العقبى سنة 1896م في منطقة تقع ما بين مدينة غزة ومدينة بئر السبع تسمى "زحيليقة" وكانت تسمي أيضا خربة العقبي، كان والده الحاج محمد العقبي شيخا لعشيرة العقبي التي كانت تضم بالإضافة إلي أفراد عائلة العقبي عرب الطورة والمداغمة والجوابرة وآخرين. كان الشيخ إبراهيم اكبر إخوانه سنا وكان منذ صغره مشهود له بالفطنة والذكاء حيث تعلم في الأزهر بمصر ثم أكمل تعليمه في اسطنبول وبعد عودته إلى ارض الوطن كان يشارك المزارعين على أرضه بالمحصول وكان هؤلاء يقومون بزراعة الأرض وفلاحتها وبعد جني المحصول يأخذون نصف ما أخرجت الأرض والنصف الآخر لصاحبها الشيخ إبراهيم حيث أن أرض زحيليقة تعتبر من أخصب الأراضي في النقب بفلسطين وقد عمل الشيخ إبراهيم بالتجارة مما جعله أيضا ميسور الحال بل كان من الأغنياء بالإضافة إلى ما كان يملكه من الأرض. تميز الشيخ إبراهيم العقبي بالثقافة العالية والإطلاع الواسع وكان متدنيا لا ينقطع عن الصلاة وكان مشهودا له بالكرم محبا للفقراء والمساكين يقول كلمة الحق ولا يخشى في الله لومة لائم . رزق الشيخ إبراهيم بولد وحيد سماه سعيد حيث ألحقه في مدارس بئر السبع ليكون مثله متعلما، وفي هذه الفترة من الزمن كان اليهود يقومون باحتلال أراضٍ معينة في جميع أنحاء فلسطين ويقومون بعمل مستوطنات يسمونها الناس آنذاك "كوبانيات" ويحصنونها تحصينا عسكريا وهكذا تبين للمثقفين والمتعلمين الفلسطينيين بان اليهود يخططون لاحتلال ما يستطيعون احتلاله من بلاد وارض فلسطين وهنا قامت الثورة الفلسطينية سنة 1936م وانضم إليها أناس كثيرون على مستوى جميع أفراد الشعب الفلسطيني وقد كوٌن ولده سعيد في تلك الفترة مجموعة فدائية من أفراد عشيرة العقبي بأمرٍ من والده الشيخ إبراهيم تقوم بالإغارة على المستوطنات الصهيونية وتقطع الإمدادات عنها وعمل ما بوسعه لمناهضة توسع وانتشار اليهود ، وحيث أن فلسطين كانت تخضع للانتداب البريطاني ولم تكن دولة مستقلة فكان أفراد الشعب الفلسطيني يدافعون عن أراضيهم الخاصة كل حسب امكاناته وقدرته وهنا صمم الشيخ إبراهيم العقبي أن يدافع عن أرضه ومن معه من إخوته و أفراد عشيرته وجيرانه حسب إمكانياته فبعث ولده سعيد إلى مصر لكي يقوم بشراء السلاح الممكن وتهريبه وتوصيله إلي زحيليقة وكانت عيون الإنجليز في كل شبر على ارض فلسطين فقام ولده سعيد بشراء مدفع محمول على عربة ومدفع رشاش يسمى "برن" وأسلحة خفيفة كالبنادق والمسدسات والذخيرة وأرسلها ولده سعيد سرا إلى فلسطين وفعلا وصلت إلى ارض العقبي واخذ الشيخ إبراهيم يدرب المجاهدين من أقاربه وأفراد عشيرته وجيرانه عليها وأصبح كل فرد من المجاهدين يعرف مهمته في حالة الحرب أو غزو يهود إلى المنطقة التي يسكنونها ، فكان مسئولا عن المدفع الكبير عبد العزيز العقبي أما الرشاش "البرن" فقد كان يتناوب عليه ابن أخيه يوسف سلامة العقبي وابن أخته موسى محمد العقبي وقد كان معهم منظار منصوب بجوار المدفع الرشاش أعلى منزل الشيخ إبراهيم وهنا تنبه اليهود الموجودين في المنطقة لهذه الأسلحة والاستعدادات عند الشيخ إبراهيم وعرفوا أنها تهددهم وتقف حائل بينهم وبين مخططهم وهو احتلال المنطقة فأرسلت الوكالة اليهودية رسالة للشيخ إبراهيم من خلال وسيط وكان مفادها انه لن يقوم اليهود بأخذ أي جزء من ارض العقبي وسوف تظل أملاكهم جميعها معهم مقابل أن لا يقاتلهم لكن الشيخ إبراهيم رفض هذا العرض لان الأصل والهدف ليس أرضه وحده بل ارض فلسطين جميعها والنضال والدفاع عنها فريضة على كل فلسطيني وأصر على أن يجاهد في سبيل الله ولن يقف مكتوف الأيدي حتى ولو خسر كل شئ ولقد كرر الوسيط العرض على الشيخ إبراهيم الذي رفضه رفضا قاطعا وصمم أن يقاتل اليهود مهما كلفه من ثمن وقد قال للوسيط أن اليهود أعداء الله كما جاء في القران الكريم وانه سوف يقاتل أعداء الله. وفي أواخر شهر مايو سنة 1948 هجم اليهود فجرا بكل ما يملكون من قوه وأسلحة ودبابات على عشيرة العقبي وقاموا بمحاصرة منطقة العقبي وبدءوا بالضرب على العشيرة وقد كانت العشيرة مستعدة لهم كما ذكر بالمدفع المحمول والمدفع الرشاش وباقي الشباب بالبنادق محصنين خلف سواتر وداخل خنادق معدة لهذا اليوم وهم عبد العزيز العقبي على المدفع وموسى العقبي على "البرن" والباقي معهم البنادق وهم يوسف سلامة العقبي واحمد محمد العقبي وعبد الكريم عوض العقبي وحسين سلامة العقبي والعبد حسين العقبي ومحمد سليمان الراعي وسليمان الراعي ومحمد سلامة العقبي وماضي سالم أو الطيف وعمر سلامة العقبي وآخرين وكان باقي أفراد العشيرة في منطقة أخرى بالقرب من مدينة بئر السبع تسمى "العراقيب" أما الشيخ إبراهيم العقبى فقد كان قائدا لهذه المجموعة وبيده مسدس يرد على الأعداء ويشجع من معه من مجاهدين فتارة مع الشباب حاملي البنادق وتارة أخرى يقوم بالضرب على المدفع ويشجعهم على المقاومة مهللا قائلا الله اكبر وقد كان ولده سعيد في ذلك اليوم في مصر للحصول على الذخيرة والأسلحة. امتد القتال من قبل صلاة الفجر وحتى قرب صلاة الظهر فقد كان اليهود يحاصرون المنطقة من ثلاث نواحي ويقومون بالضرب الكثيف وقد استطاع اليهود ضرب المدفع مما أدى إلى تعطيله وأصيب من عليه وهو عبد العزيز العقبى ثم بعد ذلك قام اليهود بضرب السواتر التي كان يقع خلفها "البرن" فكسروا ماسورته فتعطل أيضا فقفز من كان يضرب عليه من فوق سطح المنزل وهو موسى العقبى مما أدي إلي إصابته في بطنه وقد استشهدت أخت موسى في تلك اللحظة حيث كانت تقف بجانبه تساعده وتشجعه وقد ظل الرجال يقاومون حتى منتصف النهار وقد نفذت الذخيرة ، حينئذ صاح احدهم وهو حسين احمد العقبي " الانسحاب" يجب علينا أن ننسحب لقد نفذت الذخيرة فانسحب المقاتلون باتجاه غزة عن طريق " وادي فريجة" وكان الشيخ إبراهيم يرجع إلى الخلف وصدره للأعداء فيقول له الرجال لماذا لا تمشي مثلنا فيرد قائلا " لو قدر الله تعالى الشهادة لي فإنني أحب أن يخترقني الرصاص في صدري وليس في ظهري وقد استشهد في هذه المعركة كل من محمد الراعي " أبو كايد" وصهره حسن الراعي وفايزة العقبي وأصيب العديد من الرجال وقد قيل في هذه المعركة شعرا نبطيا يتداوله أفراد العشيرة بينهم ويقولونه لأصحابهم لتظل هذه المعركة ذكرى في قلب كل إنسان فلسطيني شريف يدافع عن وطنه بشتى الطرق. و أود إن اختم قصة حياة المناضل الشيخ إبراهيم العقبي
بالقصيدة الشعرية النبطية التي قيلت عن المعركة:-
يا شيب راسي شاب من قبل ما شيب
والعقل مني ضاع عند البلاد
والنار على قلبي تشتعل وتزيد
ما بَيْ قتل أختي وما بَي الأعادي
إبراهيم العقبى كامل العقل ومنيب
من دون الوطن والعرض للروح فادي
مكرم ضيوفه باللحم الغصيب
سبع وساكن وسط الأعادي
طوقونا قبل الشمس ما تغيب
قبل صلاة الفجر احمد ينادي
موسى يالمنخي يا لفهد يالذيب
اضرب على البرن صُد الأعادي
ثار المدفع صاغ ما بِه ذوا ريب
ياطخ هالبرن مالِهْ حساب
الله اكبر ينتخوا هالمعازيب
ياعَجْهِن قايم غِطْين الضباب
إبراهيم العقبي بالفرد يطخ ويصيب
ينتخى وينخى الله يعين الشباب
عشرين دبابة وعشرة من الجيب
يهود ملعونين ليوم الحساب
ضُرب البرن وانكسر منه لواليب
واللي عالمدفع صار بيده صواب
ياطخهم مِحرِق بلون المشاهيب
يتساقط علينا كيف مثل السحاب
بوادي فريجه طاح منا مصاويب
أبو عوض وحسين وفايزة وماضي
إحْسَبت أنا فايزة تقوم وطيب
تراها ماتت عاليوم لِنه صواب
يا ناس أنا زيها من وين أجيب
زاحوا على الوجه المليح الترابِ
هذا حكم الله ما هو حكم بالأيد
تأدبوا وكل ميتة لها أسباب
موسى أبو شنار يشيل المصاويب
وهو ينتخي ويقول بني عقبة هالاجياد
والدم على هدومه نازل سواكيب
ياسين أبو عطا زى النمر عادي
مهلي بضيفه بُكثر التراحيب
شدوا على ريمه وحطوا الشداد
مَكِنْ حقبها زاهية بالشراشيب
عليها أبو عطا مثل العقاب
تلفي على بني عقبة في بلاد العراقيب
سلم عليهم وعلمهم بالوكاد
يا حربنا لن ترخه بالمكاتيب
وننشره جرنان بكل البلاد
من لامنا يعدم عياله وكل يد وما تجيب
ومن ذمنا تصبح دياره رماد
والمال معوض يسلموا هالاجاويد
احطاطت بنا الكفار مع كل واد
اختم كلامي بكامل الحسن والطيب
محمد رسول الله للناس هادي
نقلا عن نشرة النقب و هي نشرة غير دورية تصدرها رابطة أبناء قبائل بئر السبع – فلسطين العدد الثاني أكتوبر 1998م
منقول