اعتقال البشير.. "بالعبري الفصيح"!!
كتبه/ محمد الغباشي
مفكرة الإسلام:
لا تزال "إسرائيل" تحرك الفتن والقلاقل بالدول العربية والإسلامية التي تعلن تمردها على الهيمنة الأمريكية الغربية والانصياع إلى القرارات التي تصب في صالح الكيان الصهيوني واستقراره في المنطقة، ولا يستطيع أحد أن ينكر مدى تسييس قرارات المحكمة الجنائية الدولية لتنفيذ المخططات الاحتلالية واستخلاص المصالح الأمريكية والغربية.
ولكن دعونا نبتعد قليلاً عن هذا المعترك السياسي ونمحّص طبيعة العلاقة بين الموساد الإسرائيلي وأذرع الأخطبوط الصهيوني في السودان؛ لنتعرف على جذور العلاقة بين التمرد الحادث في دارفور والذي تغذيه فصائل التمرد المختلفة وبين "إسرائيل" رائدة "فن التسخين" و"صناعة الفتن" في العالم.
انكشفت منذ مدة طويلة طبيعة العلاقة بين التمرد الأول الذي وقع في جنوب السودان وبين "إسرائيل"، وتبين مدى الدعم المادي والعسكري الذي تلقاه جون قرنق زعيم التمرد، والذي أسفر فيما بعد عن انفصال الجنوب وقيام شبه دولة مستقلة للنصارى
بادئ ذي بدء فقد انكشفت منذ مدة طويلة طبيعة العلاقة بين التمرد الأول الذي وقع في جنوب السودان وبين "إسرائيل"، وتبين مدى الدعم المادي والعسكري الذي تلقاه جون قرنق زعيم التمرد، والذي أسفر فيما بعد عن انفصال الجنوب وقيام شبه دولة مستقلة للنصارى، وهي الخطة المحكمة التي نفذت بالفعل لتفتيت دولة السودان لتسهيل السيطرة عليها وفقًا للمبدأ القائل: «فرّق تسد».
وبعد هدوء الأجواء في السودان بدأت تنكشف طبيعة المخطط الجديد في إقليم دارفور الغربي؛ ففي شهر فبراير من العام الماضي أعلن عبد الواحد نور قائد حركة تحرير السودان المتمردة بدارفور افتتاح مكتب للحركة في تل أبيب، بالإضافة إلى استقبال "إسرائيل" لما لا يقل عن 600 لاجئ سوداني بعدما ذاقوا "مرارة الاضطهاد" من الحكومة السودانية، وقد أشاد "نور" بإسرائيل لإنقاذها شبابًا سودانيين من "حرب الإبادة" التي كانوا يتعرضون لها في السودان.. هكذا زعم.
وبعدها مباشرة أكدت الحكومة السودانية أن افتتاح مكتب للحركة المتمردة في "إسرائيل" يؤكد ما كانت تذهب إليه من أن هناك أيادٍ صهيونية خفية تؤلب الفصائل على الحكومة السودانية لتنفيذ أغراضها.
ولم يكن مفاجئًا بعد ذلك أن يعلن نور تأييده للتطبيع الكامل في العلاقات بين الكيان الصهيوني والسودان بعدما آوت "إسرائيل" لاجئيه وسارعت بإنشاء مكتب لجماعته المتمردة في تل أبيب.
وكشفت صحيفة هآأرتس العبرية في إثر ذلك عن زيارة قام بها نور إلى "إسرائيل"، بل ومشاركته في مؤتمر هرتسليا الأمني الصهيوني والتقائه مسؤولاً "إسرائيليًا" رفيع المستوى اكتُشف بعد ذلك أنه عاموس جلعاد المستشار السياسي والأمني في وزارة الحرب الصهيونية، ما يكشف عن مدى التعاون والتنسيق الأمني بين الطرفين، بل والدعم الصهيوني للتمرد. ومما يثير التساؤل كذلك رفض وزارة الحرب الصهيوني التعقيب على الزيارة أو كشف طبيعة ومضمون المحادثات بين الطرفين، مبررة ذلك باعتبارات أمنية صهيونية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل كشفت الصحف "الإسرائيلية" فيما بعد عن طبيعة المحادثات التي جرت بين نور وجلعاد، والتي طلب فيها نور صراحةً دعم "إسرائيل" لميليشياته المقاتلة لمواجهة الجيش السوداني في دارفور.
صرح مسؤولون في الحكومة السودانية بأن "إسرائيل" تزوِّد بالفعل متمردي دارفور بالسلاح والمدد العسكري عن طريق فرنسا ـ التي يعيش بها عبد الواحد نور
وقد صرح مسؤولون في الحكومة السودانية بأن "إسرائيل" تزوِّد بالفعل متمردي دارفور بالسلاح والمدد العسكري عن طريق فرنسا ـ التي يعيش بها عبد الواحد نور منذ العام 2007 ـ، ويتمثل هذا الإمداد في أسلحة ثقيلة وعربات وصلت بواسطة الحكومة التشادية إلى منطقة "رهد السنطة" شرق منطقة "أم كونجا" الحدودية.
بالإضافة إلى تدريب فرنسا لبعض عناصر من الحرس الجمهوري التشادي وعناصر من حركة العدل والمساواة التي قامت بالهجوم الأخير على مدينة "أم درمان" السودانية، إلى جانب تسليم الأسلحة "الإسرائيلية" للعدل والمساواة عبر تشاد باسم شركة يملكها "الإسرائيلي" "داني ياتوم" ابن رئيس الموساد الأسبق.
ولا يخفى في هذا المقام التنويه إلى العلاقة العميقة بين فرنسا و"إسرائيل"، لا سيما بعد تولي الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي اليهودي المجري الأصل رئاسة البلاد، والذي تعهد منذ بداية توليه المسؤولية بحفاظه على أمن "إسرائيل" ومصالحها في العالم.
آخر صور مشهد المؤامرة فهو مظاهر الفرح والبهجة لدى فصائل التمرد بدارفور بقرار المحكمة الجنائية إصدار مذكرة الاعتقال بحق البشير
أما آخر صور مشهد المؤامرة فهو ما أبرزته وسائل الإعلام الصهيونية ومنها صحيفة يديعوت أحرونوت باحتفاء من مظاهر الفرح والبهجة لدى فصائل التمرد بدارفور بقرار المحكمة الجنائية إصدار مذكرة الاعتقال بحق البشير، ثم أعلنت إثر ذلك تهكمها من إعلان الخرطوم عدم اكتراثه بقرار المحكمة الدولية.
هذه هي الصورة الحقيقية للمشهد التمثيلي الذي نفّذه لويس أوكامبو رئيس المحكمة الجنائية الدولية، وقد أحبك دوره ببراعة يُحسد عليها، ولكن كان ينقصه أن يخرج إلينا على شاشات التلفزة العالمية ليعلن قراره باعتقال الرئيس البشير مرتديًا طاقيته السوداء التي تتوسط رأسه وتاليًا نص قرار المحكمة.. "بالعبري الفصيح".