
كم من الزهور الجميلة التي عطرت بستان التاريخ بالأريج والرياحين .. فكانت عبيراً وجمالاً يسعد القلوب ويسر الناظرين .. إنها طفولة ورجولة معاً في طور واحد .. صغار لكنهم رجال ..
لم تثنهم حداثة سنهم أو صغر أعمارهم عن كتابة المجد وصناعة العزة والانتصار .. فصاروا رمزاً للإباء والفخار ..
قرأنا عن أطفالنا العظماء كثيراً .. لقد نبغوا وتميزوا في أحداث التاريخ وبرعوا في شتى دروب الحياة ..قرأنا أنه حين أراد النبي
أن ينصب إماماً لبعض من وفدوا عليه ولى عليهم عمرو بن سلمة وهو غلام صغير .. ولما قدم وفد ثقيف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى عليهم عثمان بن أبي العاص لإمامتهم وكان أصغر الوفد سناً ..
وهذا هو إياس بن معاوية فتى لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره وكان يمشي وخلفه أربعمائة من العلماء والقادة فرأى الخليفة ذلك فغضب وأراد أن يلقن إياساً درساً في الأدب فقال له مستصغراً إياه : يا بني كم عمرك ؟! .. فأجاب إياس سني يا أمير المؤمنين كسن أسامة بن زيد لما تولى الجيش وفيه أبو بكر وعمر فدهش الخليفة من رده وقال له : تقدم بورك فيك ..
وذكر التاريخ أن محمد بن القاسم الثقفي فتح السند والهند وعمره سبعة عشر عاماً .. وروي أن الشيخ ابن تيمية أفتى وعمره اثنا عشر عاماً .. وغيرهم الكثير ..

الملاحظ أن احتواءنا لأطفالنا يعتمد على العقاب أكثر من الثواب وهذا خطأ ..فنحن لا بد أن نغوص في أعماقهم ونستخرج الأشواك والكنوز معاً .. أما الأشواك فننزعها برقة ونرعى الكنوز وننميها .. فهم بحاجة لمراقبة أقوى واستيعاب وإخراج الطاقات في كل نفع ..واعتماد أسلوب الإقناع لا القمع وتوجيه النظر لما هو أفضل بدلاً من الرفض والمنع وتوضيح الحقائق أمامهم وتحكيمهم في الأمور .. لنصنع أجيالاً لا تعد البعد عن المفاسد حرماناً وتأخراً بل تعده إيماناً وصواباً وأتجاهاً لما هو أقوم وأفضل ..
وإذا كنا نربي أبناءنا ليكونوا قرة عين لنا في الدنيا والآخرة فعلينا أن نتعلم كيف نغرس في قلوبهم حب الدعوة إلى الله ليكونوا كأجدادهم علماء ودعاة منذ صغرهم ..
ولتكن دعوتنا " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " ..