شكوك خطيرة حول تاريخنا

** بعد (كمال الصليبي) وطروحاته الغريبة حول تحديد أرض يهودا.. وتأكيده على أنها في جزيرة العرب وليس في أرض فلسطين.. جاء اليوم المفكر والباحث العراقي المقيم في هولندا (فاضل الربيعي) ليؤكد (أن القدس باسمها العربي الحالي ليست هي مدينة أورشليم) و(ان التوراة لم تذكر اسم فلسطين أو الفلسطينيين فقط وانها لم تأت على ذكر القدس)..
** ليس هذا فحسب.. بل ان (الرجل) يؤكد في كتابه الجديد المعنون (القدس.. ليست أورشليم) وفي الموضوع المنشور عنه بعدد يوم الجمعة الماضي الصادر من هذه الصحيفة : (ان الاسم الحقيقي الذي تذكره التوراة هو : قدس.. قدش .. وليس القدس ، فضلاً عن اسم القدس العربية الحديث نسبياً وهو لا يرقى إلى تاريخ كتابة التوراة)..
** وقال الربيعي أيضاً (ان الجبل الوحيد الذي يحمل اسم قدس .. قدش.. وفيه الوديان والقرى والمواضع نفسها إنما هو جبل قدس المبارك إلى الجنوب من مدينة تعز)..
** ولكي يؤكد الربيعي نظريته هذه.. فإنه يذهب إلى القول ( إن أسوار أورشليم التي أعاد "تحميا" ترميمها مع القبائل العائدة من الأسر البابلي .. تشير بوضوح تام إلى سلسلة جبلية بأسماء لا وجود لها في فلسطين ، كما ان القبائل التي شاركت في أعمال البناء تحمل أسماء قبائل عربية يمنية معروفة في التاريخ العربي القديم وكتب الانساب.. (وان هذه القبائل العربية قد عادت إلى أورشليم السراة اليمنية وليس إلى فلسطين)..
** هذا الكلام الخطير والمهم.. لا يحتاج استيعابه إلى انفعال وتشنج للرد عليه وتأصيله.. بقدر ما يتطلب فكراً علمياً مسؤولاً يتوقف عنده طويلاً.. ويتعمق في دراسته.. وتتبع أسانيده وحججه ووثائقه ودلالاته.. ليس فقط بالرد على هذا النوع من الدراسات .. وإنما بالوقوف على حقيقتها بكل تجرد.. ومعرفة ما اذا كان لها أصل في التاريخ.. أو انها مجرد دعاوى ذات طبيعة سياسية تطلقها أجهزة وجهات استخبارية لأهداف بعيدة المدى غايتها إغراق الفكر العربي في حالة من البلبلة والتشتت الذهني.. أو استثارة بعض الغيارى على التاريخ العربي والاسلامي للخوض في وقائع من هذا النوع.. والغرق في متاهاتها لأسباب أو أخرى..
** إن كتاباً صغيراً بحجم (167) صفحة ككتاب الربيعي هذا.. لا يجب الاستهانة به.. أو تجاهله.. أو التعامل معه بعاطفية.. وبتوتر لايوصل إلى نتيجة..
** ومن أجل ذلك فإنني اعتقد انه ما دام الأمر يعنينا كما يعني الاخوة والاشقاء في اليمن.. ومن ورائهما التاريخ العربي بمجمله.. فإن التوصل فيه إلى نتيجة تؤدي إلى معرفة الحقيقة أو تصويب الأخطاء.. يستوجب تصدي المؤسسات العلمية والتاريخية المعنية بتاريخ الجزيرة العربية لهذه المقولات.. والبناء على ما تتوصل إليه بعد ذلك.. لأن الأمر لا يتعلق – فقط – بتأصيل الحدث.. وتحديده.. وإنما يرتبط بمستقبل الجزيرة العربية ككل.. وذلك يقتضي بعد ذلك اتخاذ قرارات سياسية وأمنية على أعلى المستويات .. بدلاً من أن نترك هذا الأمر لأجيال قادمة ولتطورات لا يمكن التنبؤ بخطورتها الآن..
** وكم أتمنى ان تتصدى ( دارة الملك عبدالعزيز) لهذا الموضوع وتجند له كل الامكانات والطاقات العلمية والبحثية والمادية وتمنحه الجدية الكافية.. وتعطيه الأولوية المطلقة في الاهتمام.. وتضعه نصب عينيها كمشروع وطني وقومي وعلمي بالغ الأهمية..
** ويمكن للدارة ان تتعاون في هذا السياق مع جهة علمية مماثلة لها في الأهمية والقيمة العلمية في اليمن أيضاً لإنجاز مشروع ضخم كهذا.. بكل ما سيحدثه من تغييرات كبيرة في تاريخ الجزيرة العربية.. إن على المستوى التاريخي والعلمي.. وان على المستوى الأمني والسياسي.. وان على المستوى الثقافي والاجتماعي أيضاً..
** ذلك ان قضايا كهذه لايجب ان تندرج تحت طائلة (المسكوت عنها) .. لخطورتها البالغة .. ولأهمية الوقوف عليها وحسم الامر بشأنها وفك رموزها ومتشابكاتها.. وعدم التقليل من شأنها.. أو القفز عليها..
** ولو كنت صاحب قرار لجندت لهذه الغاية ووفرت إمكانات هائلة بشرية ومادية ولوجستية .. توضع تحت إمرة فريق علمي وتخصصي .. وسياسي.. وأمني على أرفع مستوى.. ولأعطيتهم فترة زمنية لا تتجاوز (5) سنوات لإنجاز عمل كبير بمثل هذه الضخامة حتى نكون بعد ذلك على بينة من هذا الأمر.
***
ضمير مستتر:
**(بعض التشكيك .. يدق المسمار الأول في نعش الحقيقة.. وبعضه يصحح الأوضاع الخاطئة ويوقفها عند حدها).

بقلم د . هاشم عبده هاشم