وقال الشاعر:
كل ابن انثى وإن طالت سلامته * يوماً على آله حدباء محمول
إنه لابد من يوم ترجع فيه الخلائق إلى الله جل وعلا ليحاسبهم على ما عملوا في هذه الدنيا
قال تعالى:
{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}
[البقرة: 281]
يوماً طالما نسيناه،
يوم هو آخر الأيام،
يوم تغص فيه الحناجر، فلا يوم بعده ولا يوم مثله،
إنه اليوم العظيم والموقف الجليل بين يدي الملك العظيم،
يوماً كتبه الله على كل صغير وكبير وكل جليل وحقير، إنه اليوم المشهود واللقاء الموعود.
ثم إنه قبل هذا اليوم لحظة ينتقل فيها الإنسان من دار الغرور إلى دار السرور أو دار الشرور،
كل بحسب عمله،
تلك اللحظة التي يُلقى فيها الإنسان آخر النظرات على الأبناء والبنات والإخوان والأخوات،
يُلقي فيها آخر النظرات على هذه الدنيا،
وتبدو على وجهه معالم السكرات، وتخرج من صميم قلبه الآهات والزفرات،
إنها اللحظة التي يعرف الإنسان فيها حقارة هذه الدنيا،
إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها بالحسرة والألم على كل لحظة فرّط فيها في جنب الله تعالى،
فهو يناديه رباه رباه
{رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99-100]
إنها اللحظة الحاسمة والساعة القاصمة التي يدنو فيها ملك الموت لكي ينادي، فياليت شعري هل ينادي نداء النعيم أو نداء الجحيم؟!!
أخي.... أخيتى ....
إن الغربة الحقيقية إنما هي غربة اللحد والكفن،
فهل تذكرت انطراحك على الفراش، وإذا بأيدي الأهل تُقلبك،
فاشتد نزعك وصار الموت يجذبك من كل عرق، ثم أسلمت الروح إلى بارئها،
والتفت الساق بالساق، ثم قدموك بعد ذلك ليُصلى عليك ثم أنزلوك في القبر وحيداً فريداً،
لا أم تقيم معك، ولا أب يرافقك ولا أخ يؤنسك.
وهناك يحس المرء بدار غريبة، ومنازل عجيبة،
وفي لحظة واحدة ينتقل العبد من دار الهون إلى دار النعيم المقيم إن كان ممن تاب وآمن وعمل صالحاً،
أوينتقل إلى دار الجحيم والعذاب الأليم إن كان ممن أساء العمل وعصى المولى جل وعلا.
لقد طويت صفحات الغرور، وبدأ للعبد هول البعث والنشور، مضت الملهيات والمغريات وبقيت التبعات..
فلا إله إلا الله من ساعة تُطوى فيها صحيفة المرء إما على الحسنات أو على السيئات،
ويحس بقلب متقطع من الألم والحسرة على أيام غفل فيها كثيراً عن الله واليوم الآخر،
فها هي الدنيا بما فيها قد انتهت وانقضت أيامها سريعاً،
وها هو الآن يستقبل معالم الجد أمام عينيه ويسلم روحه لباريها،
وينتقل إلى الدار الاخرةبما فيها من الأهوال العظيمة وفي لحظة واحدة أصبح كأنه لم يكن شيئاً مذكوراً..
فلا إله إلا الله من ساعة ينزل فيها الإنسان أول منازل الآخرة، ويستقبل الحياة الجديدة، فإما عيشة سعيدة، أو عيشة نكيدة والعياذ بالله.
ولا إله الله من دار تقارب سكانها، وتفاوت عُمّارها، فقبرٌ في النعيم والرضوان المقيم وقبرٌ في دركات الجحيم والعذاب الأليم، فهو ينادي ولكن لا مجيب، وهو يستعطف ولكن لا مستجيب.
ثم يأتي بعد ذلك اللقاء الموعود واليوم المشهود،
اليوم الذي تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسماوات وبروزاً لله الواحد القهار،
يوم لا يُغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم يُنصرون،
وصاح الصائح بصيحته فخرج الموتى من تلك الأجداث وتلك القبور إلى ربهم حفاة عراة غرلاً، فلا أنساب، ولا أحساب، ولا جاه ولا مال.
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}
[المؤمنون: 101-104]
إنه اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين،
إنه اليوم الذي تتبدد عنده الأوهام والأحلام،
إنه اليوم الذي تُنشر فيه الدواوين وتُنصب فيه الموازين،
إنه اليوم الذي يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه،
واليوم الذي يود المجرم لو يفتدى فيه من العذاب ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه.