في لقاء له على إحدى القنوات الفضائية، سألته المذيعة بحمق ماذا لو كان معك في هذا اللقاء "فلانة وفلانة وفلانة"، وهن بالطبع ممثلات شهيرات في العالم العربي، تجاوزن سن اليأس وأكثر، تكفلت مساحيق باريس وفلورنسا بجبر السن وتقاطيعه، وبدون أن يفكر ولو للحظة بالسؤال، حرك شفتيه بذات الحمق الذي يمتلئ به السؤال: "سأكون هارون الرشيد".
أعتقد أن الخليفة العباسي هارون الرشيد هو أحد أبرز الشخصيات الإسلامية التي تعرضت للتشويه وإلصاق تهم متعددة فيها، وحصره في زير النساء إلى المنادمة وقرع الكؤوس وسماع القيان، على الرغم من الدراسات العربية الكثيرة في تعرية هذه التهم وإعادتها إلى أصولها الاستشراقية، وتأكيد تطور الولايات الإسلامية في عهده، في تحول شهير للعهد الذهبي في الحضارة الإسلامية، وما تبع ذلك من مقدمات حركة الترجمة الشهيرة وبيوت العلم الكبرى ومدارس الفلسفة والمناظرة، ناهيك عن حياته الشخصية والتي روي فيها كثير من الصلاة والحج، بينما برزت هذه الغراميات في كتب لا تنتمي للمنهجية العلمية في شيء مثل "ألف ليلة وليلة"، وبعض المؤلفات المترجمة عن لغات مثل الفارسية والتي يبدو تعصبها للبرامكة ظاهراً بعد حادثة نكبتهم الشهيرة. جهل كثير ممن في الساحة الفنية ليس حادثاً جديداً نتعامل معه، لكن في كل مرة يخرج لنا أحدهم بجهله المدقع، فإنه يقتل أملاً بأنه مع هذا التطور المذهل في التبادل المعلوماتي، يمكن أن يزداد عدد المثقفين، في مقابل من ليسوا كذلك من الفنانين، ومن ليس لهم مسمى ممن برزوا عبر البرامج الواقعية ليدخلوا في الوسط الإعلامي ليفعلوا كل شيء من الغناء إلى التمثيل وتقديم البرامج والمسابقات والمقابلات، وكأن كل هذا ليس كافياً حتى يتجرأ "بهلول" بجهله، في أن يكون هارون الرشيد.!