خلال الأشهر الأخيرة لاحظ الجميع تنامي ظاهرة نشر وتبادل صور الخطابات والمستندات والبرقيات والتعاميم الرسمية في معظم المجالات.. وإرسالها إلى الآخرين من خلال خدمات ووسائط الاتصال الاجتماعي (الإمييل - تويتر - واتس أب) حتى رأينا أن صور مثل هذه الخطابات والمكاتبات الرسمية تصل إلى أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع في كافة أنحاء المملكة وفي خارجها في ظرف دقائق معدودة!!
إن التمادي الحاصل في تصوير مثل هذه المكاتبات والمستندات الرسمية وتناقلها وتداولها بين أوساط المجتمع بمثل هذه السهولة أصبح اليوم ظاهرة تتم بسبب غياب الأمانة الذاتية لدى الموظف الذي قام بتصوير او نسخ مثل هذه المكاتبات أو المستندات الرسمية ثم التفاخر بإرسالها على وجه السرعة إلى الآخرين من الأقارب والأصدقاء من خلال خدمة " الواتس أب "..
إن ظاهرة التسابق والتنافس في تصوير مثل هذه المستندات الرسمية السرية وغير السرية وحتى غير الحكومية بواسطة الهاتف النقال ثم نشرها من خلال (الواتس أب وتويتر) هي اليوم ظاهرة تحتاج إلى تدخل رسمي حاسم حتى لاتتمادى ممارساتها وخطورتها لاقدر الله إلى ما هو أكبر من ذلك، وحتى تتحقق الهيبة والاحترام لمثل هذه المستندات والمكاتبات الرسمية بأعلى قدر ممكن.. فالمسألة تجاوزت كل حدودها وأبعادها.. فقد وصلت إلى أسرار العمل الرسمي وإلى خصوصيات أفراد المجتمع الذين منهم من لاذنب له إلا أنه وقع ضحية لشخص عديم الأمانة والضمير استغل موقع عمله فقام بعملية التصوير " خلسة " ومن ثم الإرسال والنشر !!
أعتقد ان بداية هذه الظاهرة كانت من " فئة " من المدرسين وذلك من خلال تصوير" الإجابات" الطريفة لبعض طلاب المراحل التعليمية في اختبارات المراحل الدراسية بحسن نية وذلك من قبيل الدعابة والطرافة !! ولكن للأسف الشديد تمادت هذه الظاهرة ووصلت إلى ما هو أبعد من ذلك!!
فقد انتقلت هذه الظاهرة بسرعة إلى المكاتب الرسمية من خلال أقسام الاتصالات الإدارية والأرشيف في بعض أجهزة الدولة مستغلين في ذلك وبإساءة واضحة خدمات أجهزة الهاتف النقال التي وضعت لأهداف أخرى نبيلة بعيدة كل البعد عن النوايا والتصرفات السلبية ولكن البعض للأسف أساء استخدام هذه التقنيات!!
هذه الظاهرة زرعت الشك والخوف وعدم الاطمئنان والأمان بين المسؤولين والعاملين، أو الموظفين جميعاً وحتى في البنوك وفي كل المكاتب الرسمية الحكومية وغير الحكومية من جراء تصوير ونشر مثل هذه المستندات في ظل اعتقاد بعدم معرفة هوية المخطئ أو المذنب الأول الذي ارتكب هذه الجريمة وبالتالي قد تعم الفوضى والخوف وعدم الثقة !!
علاج هذه الظاهرة وحلولها والقضاء عليها مطلب عاجل وفوري لاسيما أنه ممكن ومتاح لمعرفة المصدر الأول وهو من قام بمهمة التصوير أو النسخ في المرة الأولى.. وذلك من خلال الطرق الفنية الالكترونية المتقدمة والمتخصصة في قضايا الجرائم الإلكترونية!!
الأهم من ذلك أننا اليوم في حاجة ماسة إلى وضع قانون أو نظام واضح يتضمن عقوبات صارمة جداً بحق كلّ من سولت له نفسه بخيانة الأمانة العملية والإساءة للآخرين خلال تصوير ونشر مثل هذه الرسائل التي تحمل صور هذه المستندات الرسمية غير القابلة للنشر أو رسائل وصوراً تمس خصوصيات الآخرين سواء أكانت خصوصية مالية أم عملية أم أسرية أم شخصية!!
أيضاً نحتاج إلى حملة توعية مكثفة شاملة مساندة رسمية ودينية وإعلامية من خلال التعاميم الرسمية المشددة التي تؤكد عقوبة مثل هذه الممارسات، ونحتاج أيضاً إلى تكثيف التوعية الاجتماعية والدينية من خلال خطب الجمعة.. ومن خلال المحاضرات والبرامج الإعلامية الصحفية والإذاعية والتلفزيونية والفضائية في الجامعات وفي المدارس من أجل تأكيد المحافظة على الأمانة، والعمل والتذكير بخطأ مثل هذه الممارسات دينياً وجنائياً وعملياً مع التأكيد بخطورة مثل هذه الممارسات الاجتماعية والفردية..
نرجو أن يتم تحقيق ذلك عاجلا فالمسألة تجاوزت كل الحدود.. والخوف مستقبلاً مما هو أكبر من ذلك لا قدر الله !!
عبدالرحمن عبدالعزيز آل الشيخ