كاميرا الصكوك الخفية

بدأت تتردد مؤخرا وبشكل ملحوظ، قصص لمواطنين تفاجؤوا وهم ينعمون بالراحة والاستقرار داخل منازلهم بموظف المحكمة (محضر الخصوم) يطرق أبوابهم ليسلمهم (طلب حضور ) مشفوع بلائحة دعوى موجزة لا تتعدى الأسطر الأربعة، يدعي فيها مواطن آخر بأنه يملك كامل مساحة هذه الأرض بموجب صك شرعي صادر من كتابة العدل ويطلب إزالة البيت وتمكينه من الانتفاع بها، هذه الأخبار أعادتني لحادثة غريبة لفتت انتباهي قبل أشهر، وأنا في طريقي إلى العمل توجد هناك أرض تقدر مساحتها تقريبا بـ 600 متر مربع، تقع على شارعين وفي حي سكني يندر أن تجد فيه أرضا فاضية، في أقل من يومين تم تسويرها بجدار يبلغ ارتفاعه ثلاثة امتار تقريبا، وعلقت فيه لوحة كتب عليها ( أملاك خاصة لفلان) وفي اليوم التالي زاد استغرابي عندما وجدت الجدارين اللذين على الشارع مهدومين بطريقة تنم عن قهر وغبينة !!
مشكلة الصكوك المزدوجة، ليست بجديدة، لكنها كانت مقتصرة على أراضي المنح الحكومية، وسبق لأمانة محافظة جدة أن حولت معاملات المواطنين الذين لم يستلموا منحهم لسنوات طويلة بسبب ازدواجية الصكوك للمحاكم العامة للبت فيها، وقد أوضح المختصون في هذا المجال من خلال لقاءاتهم الصحافية بأن الازدواجية قد تحدث لأسباب أخرى منها : ان الأرض عليها صك استحسان، أو أن هناك صكا صدر من خارج الولاية حيث إنه في العام 1382 كانت هناك صكوك تخرج من مناطق خارج منطقة العقار، وقد ساعد مؤخرا نظام السجل العيني للعقار في الحد من تفاقم هذه الأزمة وبث بعضا من الطمأنينة لقلوب ملاك الأراضي وإلا فإن التعويض سواء بمال أو بأرض أخرى لن يجبر خاطر المواطن الذي يجد بيته الحديث فجأة آيلا للإزالة لأن هذا البيت كان ثمرة جهد ووقت ومال وصحة كيف يهدم هكذا ويزال في غمضة عين؟!.
مع أنني أعرف جيدا بأن النظام ينص على أن (صك التملك لا يمنع من سماع الدعوى ضد حامله) إلا أنني في الواقع لا أستطيع إخفاء استغرابي كلما سمعت قصة من هذا النوع، وأكثر ما يشدني في هذا المشهد ويسرح معه خيالي، هي تلك اللحظة التي يقف فيها (محضر الخصوم) أمام باب منزل المواطن وهو يحمل بيده ورقة التبليغ ويخبره بعفويته وأسلوبه المتواضع أن (الموضوع وما فيه بيتك هذا اللي تقول بنيته طلع لواحد ثاني) هنا بالتحديد يمر أمام عيني شريط سريع لمشاهد (الكاميرا الخفية) المحلية، والتي كانت غالبا ما تنتهي بعلقة ساخنة بالعقال لذلك الممثل المهرج حتى وهو يبتسم ويكشف عن وجود مكان الكاميرا، لكن المواطن يصر على رد اعتباره وهو يشعر بداخله بأنه شرب المقلب وضحكوا الناس عليه، وهيئته في ذلك الوقت وردة فعله وتعابير وجهه تقول: ماني ناقص تنكدوا عليه وتقتلوا فرحتي حتى بالأشياء إللي بين أيديه !!.
احمد عجب الزهراني