قصة يوسف عليه السلام مع "البقرات العجاف" دليل معروف على إمكانية رؤية ما سيحدث - مستقبلا - في المنام.. وهي مثال لظاهرة إنسانية عريقة مر بها كل إنسان ودخل بعضها ضمن الموروث الشعبي لأمم الأرض. وهي لا تثبت فقط إمكانية الحلم (بالمستقبل) بل وقدرة الأحياء على التواصل مع الأموات في تلك الحالة بالذات.
وكنت قد تحدثت - في مقال قديم - عن قصة سلمان الفارسي مع عبدالله بن سلام حين التقيا ذات يوم فقال أحدهما للآخر: إن مت قبلي فلاقني (في المنام) وأخبرني مالقيت من ربك وإن مت أنا قبلك لقيتك وأخبرتك !! فقال له: وهل يلتقي الأموات والأحياء ؟ قال: نعم أرواحهم في الجنة تذهب حيث تشاء.. قال الراوي: فمات أحدهما فلقيه في المنام فقال له: أبشر وتوكل فلم اجد مثل التوكل!!
.. ومن القصص العالمية العجيبة أن ملك قبائل الزولو "وادينما" رأى في المنام ثعباناً حديدياً ضخماً يخترق أرضه وأن من يعترض دربه يكون مصيره الهلاك؛ وبحكمه الملك الخبير حذر شعبه من التعرض لهذا الثعبان متى ما جاء كي لا يكون في ذلك فناؤهم. ولكن شعبه نسي بعد موته ذلك التحذير فدمروا خطا للقطار شقه المستعمرون البريطانيون في أرضهم فنشبت حروب دامية انتهت بهلاك أعداد كبيرة من الزولو!!
ومن أمريكا الجنوبية رأى امبراطور الأزتك مونتيزوما الثاني أن جيشاً جراراً يركب "غزلاناً كبيرة" يحمل "عصي" تطلق من أفواهها النار يكتسح بلاده ويقتل شعبه. وبعد موته باثني عشر عاماً غزا الأسبان امبراطوريته وكانوا مسلحين بالبنادق ويركبون الخيول التي لم تكن معروفة لدى شعب الأزتك (وكانت بداية الاستيطان الأوروبي لأمريكا الجنوبية)!!
.. وحتى وقت قريب كان جوزيف بورباكو واحدا من أغنى المزارعين في الارجنتين؛ وحين توفي مؤخرا لم يفاجأ احد حين اوصى بكامل ثروته لابنه الثاني مارشيل - كونه المفضل لديه من بين اربعة ذكور وثلاث اناث.. وبعد اربع سنوات عاشها بقية الابناء في بؤس وحرمان بدأ الابن الأكبر كارلوس يرى حلما غريبا تكرر عدة مرات.. فقد كان يحلم بأبيه يخبره بأن مارشيل غير الوصية الأصلية بوصية زورها بنفسه وأنه (أي الأب) أخفى نسخة ثانية من الوصية الحقيقية. وحين فاتح كارلوس والدته بقصة الحلم قالت له ببساطة: إن أتاك مرة أخرى فاسأله أين وضع النسخة الأصلية!؟
ومرت ثلاث ليالٍ قبل أن يحلم كارلوس بوالده مجددا وهذه المرة سأله "أين نجد الوصيه الحقيقية".. فأجابه: في معطف الفرو البني.. وحتى قبل ان يستيقظ من نومه شعر بقلق شديد لأن والدته أحرقت ملابس والده بعد وفاته.. ومع هذا اتصل بها وسألها عن معطفه البني وكاد يطير من الفرح حين علم أن شقيقته الصغرى أنقذت المعطف من النار لأنها أرادت الاحتفاظ بشيء من والدها. وبسرعه سافر مع شقيقيه إلى أختهم التي تزوجت في مدينة مجاورة وطلبوا منها المعطف.. وبعد تفتيش طويل لم يجدوا شيئا؛ غير أن الشقيقة لاحظت شيئا غريبا فنبهتهم بقولها: ألا يبدو انطباق القماش في أسفل المعطف أضخم من المعتاد.. وبدون ان يجيبها كارلوس شق القماش المطبوق ووجد النسخة الثانية من الوصية مطوية بدقة.وهذه المرة نصت الوصية على توزيع التركة بين الأبناء بالتساوي - واضطر الأخ الثاني مارشيل للتنازل عن ثروته بأمر قضائي صارم!!
فهد عامر الأحمدي