ما أن أعلنت الإحصائية الأخيرة لمقدار التحويلات المالية للمقيمين بالمملكة والبالغة خلال النصف الأول من هذا العام 2013م مبلـغا وقدره 86.3 مليار ريال، حتى أثار هذا الخـبر حفيظة المواطنين محدودي الدخل، وأعاد للأذهان من جديد، آراء أولئك المختصين الاقتصاديين الذين ما فتؤوا بتذكيرنا بمقترحاتهم النيرة للحد من هذه الظاهـرة الخطيرة قبل أن تتصاعد نسب التحويـلات المالية للخارج وتصل إلى هذه الأرقام الفلكية مشيرين في كل مرة إلى ضرورة خفض حجم العمالة، والقضاء على (التستر) التجاري، وضبط مراكز الحوالات المالية المنتشرة بالأحياء الشعبية بعد أن أصبحت بنوكا متحركـة تمارس النشاط بطريقة غير نظامية !!.
ومـع تقديري البالـغ لهذه الآراء مجتمعة، إلا أنني أرى من وجهة نظري بأنها غير كافية (إذا ما تـم تطبيقها) وستولد فراغا كبيرا يصعب ملؤه، وستسهم مـع الوقت في ترجيح كفة الآراء المتحيزة التي دائما ما تعلن تعاطفها مـع دور المقيمين وتـراه ضرورة ملحة تفرضه حاجة المجتمـع لمن يمارس مثل هذه الخدمات والأنشطة الأساسية إما لانتشار ثقافة العيب بين المواطنين أو لعدم وجود الوقت الكافي لديهم أو لوجود موانـع نظامية تحول دون ذلك إلا أن حجم التحويـلات المالية للمقيمين إلى الخارج والتي من المرجح أن تصل مـع نهاية العام لأكثر من 130 مليار يجعل من الأهميــة بمكان التفكير بجديــة في إيجــاد حلول عاجلــة وناجعـة تحـد مـن تفاقـم هذه الظاهرة.
عندما سن المشرع الأنظمة الحكومية ركز اهتمامه على كيفية حمايـة الوظيفة العامة حتى لا ينشغل الموظف عنها سواء بدنيا أو ذهنيا، ولهذا نص نظام الخدمة المدنية على أنه (لا يجوز للموظف الجمـع بين وظيفته وممارسة مهنة أخرى)، فيما حظـرت عليه اللائحة التنفيذيـة لهذا النظام (فتح محل تجاري باسم أحد أبنائـه القصر ونحوهم ممن تشملهـم ولايته أو وصايته)، ومثل هذه النصوص الحاجبة، تشبه إلى حد كبير قيام إدارة المـرور بوضـع صبات خرسانية لسد فتحة (اليوتيرن) بالشوارع بغرض الحد من زحام المركبات حتى أسهـمـت ثقافة المنـع هذه في اعتياد السائقين بمختلف الـعمار (اختصارا للمسافة) على عكس الاتجاه ومخالفـة قــواعد السير !!.
لقد أثبتت التجارب الحية، بأن الموظفين العامين الذين مارسوا الأنشطة التجارية في حدود المسموح به نظاما مثـل (بيـع وتأجـير العقارات المملوكة لهـم) أو (بيـع واستغلال الموظف إنتاجه الفني والفكري) لـم يؤثـر ذلك في أدائهـم لواجباتهـم الوظيفـية وإنما ساعدهـم في تحسين مستوى معيشتهـم، إلا أن هذه المقومات لا تتوفر لدى كل الموظفين وبالأخص ذوي الدخل المحدود جدا، ولهذا بات من الضروري إعادة التفكـير في السماح لهـم بمزاولة التجارة خارج ساعات الدوام مع ضرورة إحكام الرقابة على مخالفة (التستر) وتغليظ العقوبة حتى يعود المقيم (بائعا) وحتى يصبح المواطن صاحب الحـلال الفعلي وحتى يتوقف نزيـف التحويـلات و(حتى لا يكون خيرنا لغيرنا).
احمد عجب الزهراني
عكاظ