في تسع سنوات فقط زادنا الملك عبدالله فخراً ببلادنا ومملكتنا مئات المرات. كنا دائما فخورين أننا ننتسب لمملكة عربية قامت على أيدي أهلها وأبنائها. المملكة الوحيدة في زمن العرب الحديث التي نبتت على أرضها وترعرعت على أرضها وتكاملت ونضجت على مكوناتها الذاتية وأسسها رجل من صلبها دون عون من أجنبي بل وقبل أن يخرج من أرضها النفط الذي يسبغ عليها الرفاهية اليوم.
في تسع سنوات أصبحت دولة أكثر حداثة وأكثر رسوخا في المستقبل وأكثر اعتزازا بالنفس. ما نراه اليوم من تجاذبات وآراء مختلفة ومتضاربة ليس إلا ثمرة أكيدة للثقة التي بناها الملك عبدالله في شعبه. أخرجهم من الصمت إلى فضاء الحوار. لا يمكن أن تبني أمة في ظل التكميم والرأي الواحد.
بناء الأمم لا يتم بإملاء من فوق او بوضع خطط افتراضية أو بفرض الرأي الواحد. هذا الحوار الساخن بين مكونات المجتمع الثقافية والاجتماعية هو البنية الأولى الأساسية التي قرر الملك أن يبدأ بها تحديث البلاد. قرر الإصغاء لكل أطياف المجتمع دون تحيز أو تفضيل اتجاه على آخر. نظر إلى الجميع بمعيار واحد. رافق هذا التحول في حرية الرأي مراجعة شاملة لكل المؤسسات والبنى الثقافية والفكرية ومازالت المراجعة تنمو باطراد. هذه الشطحات والغضب وردات الفعل بين أطياف المجتمع حد التناقض علامة صحة. كثير من المثقفين وأصحاب الرأي لم يتعودوا على هذا الانفتاح فلم يحسن بعضهم بعد ضبط صوته في حدود حقه في الكلام دون المساس بحق الآخرين ولكن هذا على وشك الانتهاء.
لا يمكن إعادة بناء هياكل الدولة الخدمية التي نشتكي منها كالصحة والتعليم والأمن .. الخ دون تنقية وعي الإنسان وتوفير الكوادر التي تجددها. من أي اتجاه تنظر للمملكة في عهد الملك عبدالله سترى أنها تسير على خطين أساسيين لا يستغني أحدهما عن الآخر. النهوض بالتعليم وترسيخ مبدأ حرية الرأي. من يقرأ الطلبة الأجانب في امريكا سيلحظ دون عناء أن عدد الطلبة السعوديين الذي يتلقون تعليمهم فيها يشكلون نسبة كبرى من بين الطلبة الأجانب الدارسين فيها.
وإذا كان طلبة الصين أو كوريا الجنوبية يزيدون عددا على الطلبة السعوديين في الولايات المتحدة فالطلبة السعوديون المبتعثون خارج المملكة في الدول الأخرى ينافسون عدد الطلبة لهاتين الدولتين خارج بلادهما، وإذا أضفنا إلى ذلك عدد الجامعات التي أسسها الملك عبدالله في السنوات التسع من عهده سنرى أن التعليم يمثل احد عمودين تقوم عليهما فلسفته في بناء الدولة الحديثة.
من تجربتي ككاتب أمضيت شطرا كبيرا من تجربتي في الكتابة محصورا في المجالات الفنية المتعالية على الهمّ الاجتماعي. في الأدب والنقد الأدبي والمراجعات الموجهة للنخب. في عهد الملك عبدالله بدأت تشرع الأبواب والنوافذ لكل صاحب رأي وقررت أن أكون منهم.
أصبحت مسؤولية النشر بأيدي المسؤولين في الجريدة وبدأت تنسحب بالتدريج من الأجهزة الحكومية.
التعليم وحرية الرأي ينموان بالتدريج ولكنهما يحتاجان إلى وقت. لا يمكن استيرادهما أو خلقهما على الفور. لكي ترى الفرق الذي صنعه الملك عبدالله راجع حياتك قبل تسع سنوات وقارنها بحياتك الآن. ما مدى الحرية التي تتمتع بها الآن والحرية التي كانت سائدة من قبل. كم عدد الجامعات وعدد الطلبة الدارسين في الجامعات الأجنبية مضافا إليهم عدد الطلبة الدارسين في الجامعات السعودية وقارنها بالأمس القريب. لأننا مازلنا نعيش الحركة المتجهة نحو المستقبل لا يمكن أن نقدر حجم وعمق التغير الاذين اكتسبناهما ولكن التاريخ سيكتب أن هذا التقدم الذي يعيشه أحفادنا بدأ في عصر الملك عبدالله بن عبدالعزيز كما كتب تاريخ اليابان أن عظمة اليابان اليوم بدأت في عصر فيجي
عبد الله بن بخيت
جريدة الرياض